للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل أن بني هُتيم هم فقط الذين ساعدوا القرامطة في سرقة الحجر الأسود من جوف الكعبة، وقتل الحجاج في الحرم، ونشر الفتن والحروب وسفك الدماء بين المسلمين حينئذ؟ كلا، فقد ساعد القرامطة في ذلك قبائل عدة من قيس عيلان، أو غيرهم من القحطانية وخاصة في اليمن وعُمان، ولكن سوء الحظ، أو قَدَرهم أن جعلهم حاكم عسير عِبرة دون سواهم من القبائل وقتئذ، فأصبح اسمهم مبغوضًا عند العرب من جراء ما فُعلَ بهم.

وقد جاء في شعر ابن مقرب العبقيسي المتوفى عام ٦٢٩ هـ، وهو دليل على ما صار إليه حال عرب هتيم، لفترة ليست بالطويلة، من الضعف والاستكانة؛ يقول ابن مقرب:

فإن هُتيمًا لو حوت مال طيئ … هُتيم فلا يغررك طيف خيال

سترجع فيما عودت لحميرها … وتحريق أشنان وخصف نعال

قلت: ويعني ابن مقرب هنا في شعره بهذين البيتين: أن هُتيمًا بعد ضعفهم - قرابة قرنين من الزمان - قد دبَّت فيهم القوة، وهو يستكثر عليهم ذلك بقوله: فلا يغررك طيف خيال؛ أي هذا الأمر وهم وسراب يحسبه الظمآن ماء، ثم يُبشِّر لهم بالعودة إلى ما كانوا عليه مرة أخرى، بركوب الحمير وخصف النعال (١) ليُنقَّذ فيهم حُكم أمير عسير الغابر، والذي قصم ظهرهم عام ٤٢٠ هـ، بعد أن عربدوا مع القرامطة وسفكوا دماء العرب والمسلمين في طول الجزيرة العربية وعرضها، وحاولوا النَيْل من قبلة المسلمين في البيت الحرام.

ويُعلِّق الباحث السعودي المعاصر الشيخ أبو عبد الرحمن الظاهري عدى قول ابن مقرب السالف قائلًا (٢):

إن هُتيمًا كانت قبل عهد ابن مقرب لا تستنكف عن الحرف والأعمال التي تترفع عنها القبائل العريقة، ولعلَّها من أهم الأسباب التي وضعت هُتيم في أعين العرب الآخرين، فقد كان العرب يُعيِّرون سكان اليمن - رغم أنهم عرب قحطانيون أقحاح - بأنهم بين ناسج بُرد ودابغ جلد. (انتهى).


(١) ذم هذا الأمر في الشرع والدين حرام، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخصف نعله ويحلب شاته ويركب الأتان - أي الحمار -، وقد أُهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - من المقوقس صاحب مصر - حمارًا - يُسمى يعفورا، وكان من جملة هداياه للنبي - انظر الخطط للمقريزي ص ١٥٤.
(٢) انظر مسائل من تاريخ الجزيرة العربية - أبو عبد الرحمن الظاهري - طبعة ثالثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>