قلت: ومن سياق هذا القول يتضح لنا أن نظرة العرب لهُتيم منذ ذلك العهد القرمطي بعد ضعفهم، ليس بسبب وضاعة أصولهم أو جهل أنسابهم، وهذا لا شك أنه مثبوت ومعروف في التواريخ القديمة، وبعضه أشعار مشهورة لفحول الشعراء، وقد أبرزنا بعض هذه النصوص سالفًا، والأرجح أن بني هُتيم قد احترفوا بعض الحرف التي لا تفعلها قبائل العدنانية، وهذه كانت فترة ضعف مروا بها قرابة قرنين، أما القبائل التي لم تتعرض لصفعة قوية من الحكام ولم يُشنَّع بها مثل ما فُعل بهُتيم، فقد ظلت عزيزة مُهابة في شبه الجزيرة العربية، حتى بعد أن شاخت وهرمت.
وأقولها كلمة صدق وحق، فمن جهة أصالة عرب هُتيم فهم أكثر صراحة في نسبهم من بعض قبائل العرب الآن، والتي نرى بعض أفراد هذه القبائل يزهو ويفتخر بأصله لقبيلة كذا أو كذا، ولو دققنا البحث لوجدنا هذه القبائل مُذبذبة بين قحطان أو عدنان، أو أنها غير مؤكدة الانتماء لكلاهما! (١).
وقد ضيَّع كثير من العرب أصولهم وأنسابهم لأسباب عدة من بينها الحُمق، - والحُمق داء ما له دواء - واعتبروا أي قبيلة لمجهل أصولها هي من هُتيم، وهذا خطأ جسيم. ونرى بعض الفبائل العربية تسخر من بعض القبائل العربية الأخرى وتُطلق عليها هُتيم أو هُتمان، جهلًا منها بمعنى هذه الكلمة، والتي هي في الحقيقة اسم عربي عادي، من قبيلة عدنانية مشهورة، وقد كان هُتيم أبًا لفارسين وبطلين سجلهما الشعر العربي في المعارك الشهيرة في التاريخ الجاهلي كما تقدم.
وعرب هُتيم هم في الحقيقة أكرم محتدًّا وأطيب أعراقًا وأصرح نسبًا، فقد خسئ ورب الكعبة من زعم أن هُتيما ما عندهم أصل، فهذا كله جهل ووهم باطل لا أساس له من الصحة.
ولا ندري كيف ومتى جُعلت كلمة (هُتيم) سُبَّة للأصل - وهم من أحسن العرب أصلًا -؟!
وهُتيم هو جدُّ هذه القبيلة، كانا ابناه فارسين مغوارين، يقودان بني كلاب وسائر
(١) ولا أريد هنا ذكر الأمثلة عن العديد من القبائل والبطون، فإن هدفي ليس الطعن بالأنساب، وإنما تأكيد الأنساب وبيان المجهول، وإظهار الحق للناس، إن شاء الله، وأرجو أن يكتبها لي مولاي عز وجل في موازين حسناتي يوم الجزاء.