إن الحكومة بعد وقعة صفوق هذه مع علي رضا باشا اللاز قد احتالت فقبضت عليه وأبعدته إلى الآستانة ومعه ابنه فرحان باشا وكان صغيرًا تعلم التركية خلال بقاء والده هناك، وكانت المدة التي قضاها ثلاث سنوات.
ومن غريب ما يحكى عنه أنه جاء إلى السلطان بتوسط الشريف عبد المطلب فدخل عليه وعندئذ صار ينظر يمينا وشمالًا، وهذا ما دعا أن يغضب عليه السلطان مُرّة أخرى ويطرده من عنده ولم يدر السبب، في حين أنه كان يأمل أن يكرمه، ذلك لما رآه السلطان منه من سوء الأدب، هكذا كان يظن السلطان فيه ولم يدر أنه بدوي، وأمثاله لا يعرفون مراسم التشريفات، والحكومة أساسا لا تعرف تقاليد العرب وعاداتها فلا يستغرب من السلطان أن يعتقد فيه ما اعتقد وهو بعيد عن البداوة، ولم يتعود التجول، ولا السياحات الوطنية على الأقل .. ولا بيده من كتب العشائر ما يبصره بأوضاعهم، وقد رأينا من الملك فيصل - رحمه الله - صبرًا عظيمًا من جفاء العشائر وخشونتها وهو يسمع جميع هوساتها، ويتلقاها بكل سعة صدر وارتياح؛ لأنه عارف بهم وبضروب طباعهم وأحوالهم.
ثم إنه توسط له الشريف مُرّة ثانية في الدخول فوافق السلطان، ولكنه حينما جاء إلى الصدر الأعظم صار يوصيه بمراعاة المراسم اللائقة وأن لا يرفع بصره ولا يلتفت إلى جهاته .. فقال لا أدخل، ولا فائدة لي من ذلك الدخول وحينئذ أرجح البقاء لأني سوف أذهب إلى قبائلي وأحدثهم أني رأيت السلطان وشاهدت بلاطه وما فيه من كذا وكذا .. ولو قلت لهم أني خرجت كما دخلت فلم أنظر شيئًا فحينئذ لا يصدقونني بل يكذبونني وقالوا لا نصدق أنك دخلت.
فأوصل خبر ذلك إلى السلطان فاستأنس بما قصه، وسمح له أن يدخل وأذن السلطان له بمشاهدته وأن يتفرج على الأماكن الأخرى والنظارات الوزارات وكل المباني البديعة، والقصور الفخمة والآثار (١).
(١) هذه الآثار والممتلكات والنفائس في قصر السلطان وفي غيره قد نشرت الآن للعموم وصار يراها كل أحد وفيها من العجائب والغرائب الشيء العظيم، شاهدتها سنة ١٣٥٣ هـ - ١٩٣٤ م في تمور وأيلول منها وقد خلت الديار من مالكيها السابقين فلا نرى إلَّا آثارهم.