للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاديين، ومعه امرأة على خلقه يقال لها سلمى وهي امرأته، وقد اقتسما الجبلين بينهما بنصفين، فأجأ في أحد النصفين وسلمى في الآخر، فسألهما طيئ عن أمرهما فقال الشيخ: نحن من بقايا صُحار، فنينا بهذين الجبلين عصرا بعد عصر، أفنانا كرّ الليل والنهار، فقال له طيئ: هل لك في مشاركتي إياك في هذا المكان، فأكون لك مؤنسا وخِلا؟ فقال الشيخ: إن لي في ذلك رأيا، فأقم فإن المكان واسع، والشجر يانع والماء طاهر والكلأ غامر، فأقام فيه طيئ بإبله وولده بالجبلين، فلم يلبث الشيخ والعجوز قليلا حتى هلكا، وخلص المكان لطيئ وولده به إلى هذه الغاية قالوا سألت العجوز طيئا ممن هو؟ فقال طيئ:

إنا من القوم اليمانينا … إن كنت عن ذاك تسألينا

وقد ضربنا في البِلاد حينا … ثُمت أقبلنا مهاجرينا

إذا سامنا الضيم بنو أبينا … فقد وقعنا اليومَ في شينا

ريفا وماءً واسعا معينا

وقال أبو محمد الأعرابي: بينما طيئ ذات يوم جالس مع ولده بالجبلين، إِذ أقبل رجل من بقايا جديس، ممتد القامة، عاري الجبلة، كاد يسد الأفق طولا ويفرعهم باعا، وإذا هو الأسود بن غفار بن الصبور الجديسي، وكان قد نجا من (حسان) تُبَّع اليمامة ولحق بالجبلين: فقال لطيئ: من أدخلكم بلادي وإرثي عن آبائي؟ اخرجوا عنها وإلا فعلتُ وفعلت، فقال طيئ: البلاد بلادنا وملكنا في أيدينا، وإنما ادعيتها حيث وجدتها خلاء، فقال الأسود. اضربوا بيننا وبينكم وقتا نقتتل فيه، فأيّنا غلب استحق البلد، فاتعدا الوقت، فقال طيئ لجندب بن خارجة ابن سعد بن قطرة بن طيئ -وأمه جديلة بنت سبيع بن عمرو بن حِمْير، وبها يعرفون، وهم جديلة طيئ، وكان طيئ لها مؤثرا- قال طيئ لجندب: قاتل عن مكرمتك، فقالت أمه: والله لتتركن بنيك وتعرضن ابني للقتل؟ فقال طيئ لعمرو ابن الغوث بن طيئ، فعليك يا عمرو الرجل فقاتله، فقال عمرو: لا أفعل، وأنشأ يقول -وهو أول من قال الشعر في طيئ بعد طيئ:

<<  <  ج: ص:  >  >>