للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا طيئ أخبرني ولست بكاذب … وأخوك صادقك الذي لا يكذبُ

أمن القضية أن إذا استغثتهمُ … وأمنتم فأنا البعيد الأجنبُ

وإذا الشدائد بالشدائد مرةً … أشجتْكمُ، فأنا الحبيب الأقربُ

عجبا لتلك قضيتي، وإقامتي … فيكم، على تلك القضية أعجبُ

ألكم معا طيبُ البلاد ورعيها … ولي الثماد ورعيهن المجدبُ

وإذا تكون كريهةُ أُدعَى لها … وإذا يُحاس الحيس يدعى جندبُ

هذا لعمركم الصَّغار بعينه … لا أمَّ لي، إن كان ذاك ولا أبُ

فقال طيئ، يا بني إنها أكرم دار في العرب، فقال عمرو: لن أفعل إلا على شرط أن لا يكون لبني جديلة في الجبلين نصيب، فقال له طيئ: لك شرطك فأقبل الأسود بن غفار الجديسي للميعاد ومعه قوس من حديد ونشاب من حديد، فقال عمرو: الصراع أحب إلي، فأكسر قوسك لأكسرها أيضًا، ونصطرع، وكانت لعمرو بن الغوث بن طيئ قوس موصولة بزرافين إذا شاء شدها وإذا شاء خلعها، فأهوى بها عمرو فانفتحت عن الزرافين واعترض الأسود بقوسه ونشابه فكسرها، فلما رأى عمرو ذلك أخذ قوسها فركبها وأوثرها وناداه: يا أسود استعن بقوسك فالرمي أحب إلي، فقال الأسود: خدعتني فقال عمرو: (الحربُ خدعة) فصارت مثلا، فرماه عمرو ففلق قلبه، وخلص الجبلان لطيئ، فنزلهما بنو الغوث ونزلت جديلة السهل منهما لذلك (١).

إن مسيرة قبيلة شمَّر تمثل صورة الحياة في الجزيرة العربية في أجلى صورها فهي أساس الحياة الاجتماعية حينذاك، والانتساب إليها يتم عن طريق القرابة والزواج والولاء والحلف والعبيد والأرقاء، وكان لشمَّر قسط وافر من حياة التبدي، فهم يعيشون على ما تنتجه الماشية يأكلون لحومها، ويشربون ألبانها، ويلبسون صوفها، ويصنعون منها مساكنهم ويعتمدون في تغذية ماشيتهم على ما ينبت في البادية من عشب فيخرجون بها إلى مناطق الخصب بعد مواسم الغيث، ومن وسائل معيشتهم قديما الغارة والسلب، يغيرون على قبيلة معادية فيأخذون ماشيتهم ويقتلون رجالهم ويسبون نساءهم وأولادهم، ويكثر الاعتماد على هذه


(١) انظر كتاب المفصّل لجواد علي ٤/ ٤٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>