الوسيلة الجاهلية في سنوات القحط والجدب، وأفراد قبيلة شمَّر متضامنون، ينصرون أخاهم ظالما أو مظلوما، وإذا جنى أحدهم جناية حملتها القبيلة، وإذا غنموا فاللرئيس الربع (١) ومثلهم الأعلى في الأخلاق المروءة والكرم والعفة والشجاعة، والمرأة عندهم تجهد وتنقب في الأعمال اليومية، فهي تحتطب وتحلب الماء وتحلب الماشية، وتنسج الملابس، وتخيط الثياب، لكنها لا تغني غناء الرجل ولا تسد مده في القتال والحروب.
خاضت شمَّر ضمن قبيلتها الأم طيئ معاركَ وحروبا طاحنة مع القبائل العربية المجاورة لها في أجأ وسلمى، ومنها ما حصل بين بطنين من أشهر بطون طيئ، ألا وهما جديلة والغوث فكان يوم (اليحاميم) وهوأحد أيام العرب المشهورة في الجاهلية، وكان الحارث بن جبلة الغساني قد أصلح بينهما، فلما هلك عادت إلى حدبها، فالتقت جديلة والغوث بموضع في حرب، فَقُتِلَ قائد بني جديلة وهو أسبع بن عمرو بن لأم، وأخذ رجل من سنبس أذنيه فحفف بهما نعليه، وفي تلك قال. أبو سروة السنبسي:
تخصف بالآذان منكم نعالنا … ونشرب كرها منكم في الجماجم
وعظمت ما صنعت الغوث على أوس بن حارثة بن لأم، وعزم على لقاء الحرب بنفسه وكان لم يشهد الحروب المتقدمة، هو ولا أحد من رؤساء طيئ كحاتم بن عبد الله وزيد الخيل وغيرهم من الرؤساء، فلما تجهز أوس للحرب وأخذ في جمع جديلة ولفّها قال:
أقيموا علينا القصد بآل طيئ … وإلا فإن العلم عند التَّحاسِب
فمن مثلنا يوما إذا الحربُ شمرت … ومن مثلنا يوما إذا لم نحاسب
وبلغ الغوث جمع أوس لها، وأوقدت النار على ذروة أجأ، وذلك أول يوم توقد عليه النار -فأقبلت قبائل الغوث كل قبيلة وعليها رئيسها، ومنهم زيد الخيل وحاتم الطائي، وأقبلت جديلة مجتمعة على أوس بن حارثة بن لأم، وحلف أوس ألا يرجع عن طيئ حتى ينزل معها جبليها أجأ وسلمى، وتُجبى له أهلها، وتزاحفوا فاقتتلوا قتالا شديدا.