وإذا قام باحث بتكذيب أو تصحيح ما قاله هؤلاء من كبار النسَّابين، طبعًا إن ذلك يكون ليس بالهيِّن على ذلك الباحث، وهنا لنا وقفة مع كبار النسَّابين المذكورين فيما يخص نسب حرب لبني هلال، فبالنظرة الثاقبة يتبين لنا أن السويدي اعتمد على القلقشندي، والقلقشندي اعتمد على ابن حزم الأندلسي، وابن حزم اعتمد على بعض من كانوا قبله، والخطأ الوارد من المصدر الأول الذي جاء به ابن حزم والباقي لهم عذرهم لأنهم قد اعتمدوا عليه كعلَّامة شهير، ومن وجهة نظري أنه لا يوجد علَّامة في أي علم؛ لأنَّ فوق كلّ ذي علم عليم … وعن القلقشندي (١) فهو علَّامة زمانه في مصر ورغم هذا فلقد نسي وأخطأ لبعض الأنساب وقد صححها وعدلها باستدراكه في المخطوط الأخير قبل وفاته والمُسمَّى قلائد الجمان.
ورغم صعوبة دحض ما قاله كبار النسَّابين وإجماعهم بنسب حرب لبني هلال، فقد هبَّ الأستاذ حمد الجاسر وقد صحح نسب حرب معتمدًا لما ورد في مخطوط الهمداني "الإكليل"، ورغم أن الهمداني لا يرقى إلى مستوى هؤلاء ولكن ما دام الحق والصح معه فلا ضير، ولنا وقفة مع الجاسر في فطنته وشجاعته العلمية وعدم انقياده وراء المشاهير - في الخطأ - لأنه حلل بعمق تاريخي الأسانيد وعرف الصحيح، وقول الهمداني عن حرب أنهم بطن كبير من خَوْلان القُضاعية القحطانية، جاءوا من بلاد اليمن في القرن الثاني الهجري إلى تهامة والحجاز ما بين مكة والمدينة وما يقرب ذلك من المواضع، وقد قارعوا بعض القبائل العدنانية وأجلوها عن بعض ديارها وسكنوها، مما اضطر بعض هذه القبائل أن تحالف حرب وقد انضوت تحت اسمها قبيلة مُزينة العدنانية وبعض الفروع من قبائل أخرى، وأقول أنَّها من بني سُلَيْم دخلت أيضًا في حرب، وهذا خلق الالتباس ودفع الرواة النسب حرب للعدنانية، أما كون ابن حزم نقل عن راوٍ خاطئ بأن حربًا من هلال بن عامر بالذات! فهذا أمر عجيب ولا يصح إلَّا الصحيح، وحرب لا يوجد بها عناصر من بني هلال إطلاقًا.
وأعود للجزيري الرحَّالة وأتساءل هل كما رأينا جهابذة علم النسب يخطئون؟ وهل الجزيري فوق كبار النسَّابين أم هو نابغة عصره؟ وما كان له من
(١) هو أحمد أبي العباس القلقشندي نُسب إلى قلقشندة من قرى القليوبية بمصر وينتمي إلى بني فزارة من غَطَفان - قيس عَيْلان العدنانية.