الشام، وصار فيه بعد حين طويل من العشائر المتحضرة الريفية، فمن هذا القسم الصايح وزوبع وسنبس وغيرهم ممن يدعون هناك (شمَّر طوقة)، وقد تتابع زحف هذه العشائر إلى شمالي العراق في أوقات مختلفة، وكان كل فريق منهم يرد لأدنى فرجة يراها في صفوف العشائر التي مالت إلى الزراعة والحياة الريفية فتخلو له البادية، وقصده بهذا الورود أن يتقوى ويعتز بأقاربه، فلا تمضي مدة حتى يستكمل الفخذ عدده والعشيرة رجالها وهكذا. ويذكر السائح الدانمركي نيبوهر أنه صادف جموعا من شمَّر في حدود سنة (١١٧٩ هـ - ١٧٦٥ م) في أنحاء هيت والكبيسة، وأنه كان أكثرهم من فرق أسلم والزكاريط (عبدة).
ويروي المقدم مولر الفرنسي عن شمَّر حكاية هجرتهم هذه، أنهم لما ألحت عليهم أعوام المحل وضنك العيش، وفدوا إلى بادية الشام، فشرعوا بمهاجمة تدمر، فنهبوها وخربوها، ثم أرادوا النفوذ إلى براري حمص وحماة التي جذبتهم بنضرتها، فصدتهم عشيرة الموالي التي قدمنا بحثها مرارا، وقد كان أمراؤها وضعوا وسط الحماد في موقع اسمه الحوة عمودا دعوه عمود الحمى، منعوا اجتيازه على العشائر النجدية وغيرها، وقد دام الصراع بين شمَّر والموالي وأحلافهم من العمور والحديديين زمنا طويلا، وكان سجالا وبفترات ومهادنات كانت تختل بسرعة، وفي وليمة كان رؤساء شمَّر ضيوفا فيها على أمير الموالي، غدر الموالي وذبحوا عددا من الرؤساء المذكورين، لا يزال شعراء شمَّر يذكرون مراثيهم، وقد ثأرت شمَّر لهذا الغدر ولم تتركه، على أنه لما أعيتها الحيلة رجعت ونزلت في ضفاف الفرات اليمنى (الشامية) من أرض العراق، كما قال السائح نيبوهر، وكانت تصل غربا إلى أنحاء الدير وجبل البشرى، وجبل العمور، ولكن بعد مدة وفدت طلائع عنزة (الأحسنة) في القرن الثاني عشر، ولحقتها الفدعان، فاتفقت عنزة مع الموالي، وهاجمتا عدوتيهما شمَّر حول آبار الكديم وأبي فياض، وأبعدتها من براري الشامية، فاضطرت شمَّر إلى الرجوع إلى نجد موطنها الأصلي، وحاولت في رجوعها هذا أن تحتفظ بحريتها ومنعتها، لكنها اصطدمت باستفحال الحركة الوهابية وانبساط الدولة السعودية، فقد كان الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وقتئذ (١١٧٩ - ١٢١٨ هـ) استولى على القصيم والجوف، وبلغ في غزواته وغاراته العراق شمالا، وعُمان جنوبا، وعسير غربا، وقهر العشائر الثائرة كبني خالد ومطير وعتيبة وغيرها، وضغط على البدو