للدخول في طاعته، وقبول الدعوة السلفية، وأمرهم بجز الشعاف (شعر الرأس)، وتأدية الزكاة له وما ماثل، فلم ترضخ شمَّر وقامت تناوئه، واستعان بها وقتئذ شريف مكة وأمير الحجاز غالب بن مساعد في حروبه ضد الوهابيين سنة ١٢٠٥ هـ، وكان هذا الشريف قد شكي للدولة استفحال الحركة الوهابية، وبين لها خطرها على الجزيرة العربية، كما شكى أسلافه مرارا، فلم تعر الدولة أذنا لدبيب الهرم فيها، فلما يئس منها جهز هو فرقة عسكرية، واستنجد بعشائر شمَّر وحرب، فأقبلوا إليه بجموعهم، فأضافهم إلى جنده، وأرسلهم لمقاتلة الوهابيين، فتوغلوا وتواقعوا معهم في مواقع مختلفة، وفازوا في بادئ الأمر، ثم رجعوا دون نتيجة حاسمة، وقد أدى هذا الرجوع لتشدد عزائم الوهابيين، في السيطرة على أطراف الجزيرة العربية، ولما رأت شمَّر التي خاصمت الوهابيين وعاركتهم ما أصابوه من رجحان؛ أيقنت أنه لم يبق لها مقام، فرحلت إلى سهول العراق نهائيا، فجاءت في تلك السنة (١٢٠٥ هـ) وعلى رأسها آل محمد (الجربا) ومعها كل فرق الخرصة وسنجارة وبعض فرق العبدة، يقود الجميع مطلق ابن الحميدي بن جعيري بن مجرن (مقرن) آل الجربا. ووصلت إلى أنحاء الوديان داخل الحدود العراقية الحالية، ولما جاء سعود بن عبد العزيز آل سعود يوالي غاراته على أطراف العراق، اشتركت شمَّر مع عشائر العراق في حربه ودفعه، فقتل مطلق المذكور في إحدى المعارك (سنة ١٢١٢ هـ) وخلفه أخوه فارس الجربا. ووصلت بعد حين بقية عشائر عنزة كالفدعان والأسبعة والعمارات من شمالي الحجاز كما قدمنا، ولنفس السبب الذي خرجت به شمَّر، وهو المحل وضنك العيش في بلادها، وشدة آل سعود التي أحاطت بهم وقتئذ، نفذت هذه العشائر إلى براري حمص وحماة وحلب ودير الزور، وصارت تصل في نجعتها إلي وادي عامج ووادي حوران، وتزاحم شمَّرا على المراعي والمناهل، ورأت شمَّر قلتها إزاء خصومها الكثر، فاضطرت إلى أن تعبر الفرات وتنساح في سهول الجزيرة الفراتية، وتستولي عليها تدريجيا من نصيبين حتى قرب بغداد، وقد زاحمت وقتئذ وأزاحت العشائر القديمة المستقرة في تلك الأنحاء، كطيئ والعبيد والبيات وجيس وغيرها، وصار أكثر هؤلاء يدفع لها الخوة، ويعزف عن البداوة، ويمتد في الحويجة بين جبل حمرين والدجلة، ويحرث ويزرع، ولم يتملص من دفع الخوة ويبقى في مكانه إلا قبيلة طيئ، لكرم محتدها ولقرابتها القديمة من شمَّر، وقد اكتفت بتزويج بعض بناتها إلى رؤساء شمَّر.