في عبور تلك العشائر، وامتلاء الجزيرة بموجة نجدية بدوية كبيرة، وكان أول فعل لفارس أن هاجم العبيد، وفتك بها فتكة فظيعة، وأكرهها على مغادرة الجزيرة، والانتقال إلى الحويجة شرقي الدجلة، وألحق بها بعد عشائر أخرى كالبيات والجحيش، ولم يسلم من ضغطه إلا قبيلة طيئ التي صاهرته وأمنت جانبه.
وقد أدت تلك الهجرة إلى انقسام شمَّر إلى قسمين متباينين جغرافيا وسياسيا، القسم الأول: شمَّر الجبل لإقامتهم في الجبلين المعروفين في نجد باسم أجأ وسلمى، وهم عشائر رحالة، وإن كان لأكثرهم مزارع ومغارس، وهذه العشائر ظلت في نجد، والتفت حول الأمراء من آل رشيد أصحاب مدينة حائل، وآل الرشيد كانوا يسيطرون - وخاصة في عهد الأمير محمد بن عبد الله الرشيد (١٢٨٨ - ١٣١٥ هـ) على سائر البلاد النجدية، من وادي السرحان إلى وادي الدواسر، ومن تيماء وخيبر إلى قرب الخليج العربي، وكثيرا ما كانت سلطة محمد الرشيد. تمتد إلى تدمر وجبال حوران، وهذا الأمير هو الذي زارته الرحالة والمستشرقة الإنكليزية اللادي بلانت المشهورة، المغرمة بالبلاد العربية عامة، والخيول الأصيلة العربية خاصة، وقد قدمنا ذكرها والكتاب الذي ألفته عن رحلتها إلى حائل سنة ١٢٩٧ هـ في فصل مكتبة البدو (ج ١ ص ١٥)، وكان الأمير محمد الرشيد صديق السلطان العثماني عبد الحميد، كما كان أقاربه آل الرشيد حلفاء الترك وأنصارهم، حتى نهاية الحرب العظمى الأولى، ولكنهم بعد وفاة الأمير محمد المذكور قضوا أيامهم في التنازع والتناحر، ودامت إمارتهم إلى سنة ١٣٤٠ هـ التي ضم الملك عبد العزيز آل سعود فيها بلادهم وطوى بساطهم.
القسم الثاني: شمَّر الجربا، وهم أفراد العشائر الأربع التي تقدم ذكرها، الخرصة وسنجارة والعبدة وأسلم الذين خرجوا من ديارهم في نجد، وهاجروا إلى العراق والشام، بقيادة الرؤساء آل محمد (الجربا)، وتاريخ هؤلاء بعد هذه الهجرة سحابة القرن الثالث عشر سلسلة متصلة الحلقات من الغزوات والغارات على عنزة أعدائهم القدماء، ثم على العشائر الريفية التي أجلوها عن منارلها، أو أقضوا مضاجعها، واضطروها إلى العزوف عن البداوة والاتجاه نحو الفلاحة، ثم