سهكي (ثلاثة تلال) واقتحموه ونهبوه، وهو عمل معيب عند العشائر؛ لأن الرئيس الغالب إذا دخل بيت الرئيس المغلوب يجب عليه أن يحتله، ويصونه من النهب، وإذ كان البقارة عملوا خلاف ذلك، ثارت ثائرة شمَّر كلها، وأنجدوا ميزرا، وتفاقم الخطب وسالت الدماء، ووقع من الفريقين فيما قيل مئات القتلى من الرجال، خلاف الأطفال والنساء التي لا تذكر، وخربت مئات القرى، ونهبت عروض لا تحصى، وقيل أنه كان لبعض الموظفين يد سيئة في هذا الأمر، وطال الخلاف، وعقدت عدة مؤتمرات للصلح بحضور محافظي الجزيرة والفرات وغيرهم في أول سنة ١٩٤٦ م، لم تثمر عن نتيجة، إلى أن أثمرت في المؤتمر الأخير الذي عقد في نيسان تلك السنة، وكان فيه السيد نوري إيبش ومجحم آل مهيد وراكان آل غبين، وتم الصلح على قاعدة (الحفر والدفن) بعد أن حدد عدد القتلى بثمانين من جماعة شمَّر، ومثلهم من البقارة، وعدد القرى التي خربت ب ١٣٥، وهكذا انتهت هذه الفتنة الشعواء.
٥ - الخلاف بين شمَّر والبومتيويت: حدثت في شهر آب ١٩٤٦ فتنة شعواء أخرى، كالتي سبقت، ضمن الحدود بين شمَّر العراق تناصرهم شمَّر الجزيرة من جهة، وبين عشيرتي الأبومتيويت والجحيش الموصلية تناصرها يزيدية سنجار من جهة أخرى، وسببها هو خلاف على أرض للشيخ عجيل (الياور) أقطعها للأبي متيويت والجحيش على أن يستغلوها، وتكون مناصفة بينه وبينهم، فأدوا ما عليهم في السنتين الأوليين، ثم أمسكوا في الثالثة، وقالوا لن ندفع، فرفع أبناء عجيل الأمر إلى الحكومة العراقية مرارا، لكنه ظل بدون حل، إلى أن تجدد النزاع في آب سنة ١٩٤٦ م، وتفاقم حين مجيء أبناء عجيل لطلب حصصهم من الغلال. ورفض أخصامهم التسليم، فوقعت أعنف معركة بدوية في زمننا سالت فيها الدماء، واحترقت بيادر، وخربت القرى الواقعة حول مكان النزاع، وسقط مئات من القتلى والجرحى من الفريقين، وقد هرع معظم شيوخ شمَّر من الحدود الشامية إلى المعركة، تأييدا لشمَّر العراق في حركتها، ووقفت الجزيرة بعربها وكردها إلى جانبهم، وأقبلت القوات العراقية والسورية، وتوسط العقلاء وهدأوا الحالة، وانعقد الرجاء بأن تبادر الحكومة العراقية لحل الخلاف، وإعطاء كل ذي حق حقه.