بعيد في الجزيرة، ولا يمتون إلى من تحدث عنهم ابن خلدون إلا بعلاقة النسب، بل إن هؤلاء كانوا في القرن (١٢ هـ - ١٨ م) لا يزالون في نجد في جبلهم المسمى باسمهم، ضمن حلف عشائري مؤلف من طيئ وبهيج وسنبس، وهناك بيت شعر قاله رجل من شمَّر، يخاطب به أحد رؤساء طيئ:
قبلك بهيج حدروه السناعيس … من عقدة ما يتحلحل قناها
يريد أن بهيجا رئيس قبائل زبيد وأميرهم وقتئذ كان قبلك، وقد أصابته الضربة القوية منا، فأنزلناه من (عقدة) أي من أجأ وسلمى (جبلي طيئ) فلا نخشاك، ولا نبالي بك، وأنت أقل قدرة منه، ويقصد بالسناعيس الذين ينتخون بالسنعوسية وهم قبائل مهمة من شمَّر.
ويظهر أن مجيء شمَّر من اليمن إلى نجد، ومزاحمتها الحلف العشائري المذكور، أدت إلى هجرة هذا الحلف نحو العراق والجزيرة، فبلغت طيئ أنحاء الجزيرة، وبلغت سنبس وبهيج أنحاء كركوك في العراق، حيث تجد بقاياهما حتى الآن، والدليل على حداثة هذه الهجرة أن فرقة الأسلم الشمَّرية التي تمت إلى طيئ وإلى حاتم الطائي لا تزال تملك بساتين نخيل في جبل سلمى، وطيئ الجزيرة الحاليين يدعون أنه لا يزال لهم أملاك في نجد، وإن لم يكن لديهم ما يؤيد ذلك. ولما قتل الترك صفوقا رئيس شمَّر في حدود سنة (١٨٤٣ م - ١٢٥٦ هـ) قامت أرملته عمشة المشهورة بنت شيخ طيئ، وحملت أولادها ولجأت بهم إلى أخوالهم الطائيين الباقين في نجد، ولقت لديهم ترحابا.
ومهما يكن تاريخ هذه الهجرة، فإن عشيرة طيئ الحالية وخاصة بطونها الأصلية الأربعة سنبس وبنو اليسر (اليسار) والفرير والحريث، ومعها أحلاف عديدون مختلفو المنابت، جاءت إلى الجزيرة وفرضت سيطرتها على العشائر القديمة المستقرة فيها من قبل، ثم انبسطت من حدود دير الزور على الفرات إلى سفوح جبال الأناضول، وجبت الإتاوات (الخوة) من الأعراب والأكراد القديمين، وكانت في تلك الحقبة ذات سطوة وحركة كبيرين، من الغارات والمعارك، على نحو ما كان للعبدة والخرصة من شمَّر خلال القرن الماضي، وكانت طيئ كما