كانت شمَّر التي خلفتها منقسمة إلى جذمين كبيرين، ينفث الترك بينهما الشحناء دوما إضعافا لهما.
وقد اصطدمت طيئ بأمراء الموالي منذ القرن الثاني عشر وقبله، وبعث مرة أحد هؤلاء الأمراء أربعين فارسا لخطف فتاة من طيئ اسمها حمرة الموت، وكانت طيئ ضعفت من توالي عراكها مع حضر الجزيرة، فلم تستطع مقارعة الموالي ورد طغيانهم، إلا بمعونة عشيرة العبيد الزبيدية الأصل التي كانت في أنحاء الخابور، وعند طيئ (قصائد وحكايات - سوالف) عن وقائعها، ووقائع العبيد مع الموالي.
وعاركت طيئ عشيرة قيس (جيس) المعروفة بشدة مراسها وشرورها، حتى صار يضرب المثل بعدائهما الذي كان ضرامة لا يخبو، فيقال (مثل قيس وطيئ).
وقد أضعفت هذه الغارات والمعارك طيئا، بحيث إنها حينما وفدت شمَّر في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وعبرت إلى الجزيرة بقيادة فارس الجربا، دحرت طيئا إلى منازلها الحالية حول نصيبين، كما دحرتها من قبل من جبلي أجأ وسلمى في نجد، وبدلت اسم هذين الجبلين من طيئ إلى شمَّر، على أن شمَّرا فرع من طيئ، فيكون الفرع زاحم الأصل، وتتبعه من مكان إلى مكان.
ولا يزال رؤساء طيئ معدودين من كبار رؤساء القبائل في عراقة النسب، لهذا لما تخطت شمَّر إلى الجزيرة، وفرضت الخوة على عشائرها القديمة أبت طيئ أن تؤدي الخوة أنفة، واكتفت بتزويج إحدى بناتها، وهي عمشة ابنة شيخ طيئ حسين العبد الله إلى صفوق بن فارس الجربا شيخ شمَّر، وجاء بعد من عمشة هذه فرع كبير من آل الجربا دعي بالعمشات، وصار شيوخ شمَّر حتى الآن إذا خاطبوا أحدا من شيوخ طيئ ينادونه: يا خالي.
وقد سعى الترك منذ القرن الماضي لتحضير قبيلة طيئ، وحضوهم على الاستقرار، ومن ثم قلّت إبلهم، وزادت شياههم، وصغرت نجعتهم في الجملة، وانصرف أكثر فرقهم للزراعة، وللاختلاط بالأسر المتحضرة الغريبة، بينما بعضهم لا يزال محتفظا ببداوته الصرحاء، وأنفته عن الزراعة، تمسكا بالتقاليد اليدوية الأصيلة.