انقرضت وعُقبة وجُذام اضمحلت أو انكمشت نحو الشام ومصر، وغلبت الحويطات وبني عطية على تلك الديار في شمال غربي المملكة العربية السعودية، وكلا العنصرين بني عطية والحويطات مختلفي الأصول كما سوف نوضح الحق والحقيقة في هذا المجلد من الموسوعة الكبرى.
والنقطة الثانية أنني كباحث لا أضع الاستنتاج أو القياس المكاني موضع يقين؛ لأنه ليس غالبًا في كلّ الأحوال في تطبيقه، وهذا لأنه لا يمكن أن تسيطر قبيلة على ديارها التاريخية كاملة مدى الدهر، وكما أوضحنا في المقدمة أن هناك قبائل كثيرة سيطرت على ديار قبائل أخرى بعد انتقالها من أماكن أخرى، أقربها بني حرب التي أشرنا إليها فقد انضوت تحت اسمها قبيلة مُزينة العدنانية وبعض العشائر العدنانية من سُلَيْم أو غيرهم، والأمثلة كثيرة لا يتسع المقام لسردها.
أما بخصوص تعليل الجزيري بتسمية الحويطات تبعًا لما أنهم أول من حَوَّط على النخيل في العقبة، أي أنهم فرقة من بني عطية وغلب عليهم اللقب من التحويط على النخيل، أُعقِّب التالي على هذا التعليل الركيك والخاطئ فأقول: إن الجزيري تناسى أو جهل أن التحويط على النخيل سمة معروفة وشهيرة لدى سكان الجزيرة العربية، ومنطقة العقبة شأنها شأن غيرها من الأماكن عَرفَ مَنْ قطنها هذه السمة منذ القدم وذلك نقلًا عن غيرهم أو تقليدًا منهم، كما أن النخيل لَمْ يخل مكان في الشمال الغربي للجزيرة منه تقريبًا وقد نرى أن النخيل يكثر في مكان ويقل في آخر ويكاد يكون نادًرا أو معدومًا في مواضع معينة، حسب جودة التربة أو ملاءمة الطقس أو وفرة المياه لهذا الشجر الحبيب إلى العرب منذ فجر التاريخ.
والمعنى المبسَّط للتحويط على النخيل أو البساتين عامة، هو بناء سور أو حوش من الطوب اللبن أو من الحجارة حول ما يملكه أحدهم أو بعضهم، لتحديد وإظهار ملكيتهم لهذه الأشجار أو هذا النخيل، وللتحكم فيما يسقط منها من ثمار، وأيضًا لتثبيت ملكيتهم وإشهار معالمها بالتحديد، لممارسة حقهم في عدم سكن أو مرور أحد فيها إلَّا بإذن أو رضاء مسبق من أصحاب تلك البساتين من نخيل أو غيره، وقد مارس أهل الطائف من قبيلة ثقيف قبل الإسلام هذه السمة، وضربوا المثل الأعلى عندما أحاطوا بالطائف بسور يطيف بها، فسميت بالطائف