نسب عشائر أو قبائل لمجرد تعقيب أو استنباط، أي لابد أن يكون الإسناد صريحًا فيها.
ثانيًا: فقد فحصت بعمق هذه المصنفات الجغرافية فيما يخص السرد عن العقبة، وهو مخطوط المسالك والممالك للبكري لَمْ يتبين لي تلميح مباشر أو غير مباشر في معنى التحويط على نخيل أو غيره، وكذلك تقويم البلدان الذي خطه عماد الدين إسماعيل بن محمد الشهير بأبي الفدا صاحب حماة المتوفي عام ٧٣٢ هـ والذي طُبع مخطوطه في مدينة باريس بفرنسا عام ١٨٥٠ م، لَمْ يذكر أي شيء عن التحويط على النخيل أو غيره في العقبة، والحقيقة أن هذا التعليل المزعوم هو من وحي خيال الجزيري، أو لربما قد قالها نقلًا عن احد أعراب البادية فتلقفها منه دون تمحيص، باستنتاج خاطئ لنماء النخيل على الساحل في منطقة العقبة لَمْ توجد قبل ذلك، ولكن استنتاجه غير صحيح؛ لأنَّ النخيل له أعمار مثل الإنسان أي افتراضية تنتهي بعدها وتندثر، ويمكن أن توجد في مكان ولظروف بيئية واجتماعية تنتهي ولا تجدد زراعتها إلَّا بعد أزمان طويلة وفي نفس المكان، وهكذا فما دامت هناك نخيل وجدت في القرن العاشر الهجري حتى لو لم توجد في القرون التي سبقت هذا القرن، لكن لابد أن تكون قد زرعت في نفس المكان في العقبة ودثرت ولم تجدد إلَّا في هذا القرن وليس معني عدم ذكر صاحب تقويم البلدان في القرن السابع والبكري قبله أن النخيل قد انعدمت في العقبة وما حولها قبل الإسلام أو في صدر الإسلام أو بعده لعدة قرون، والشيء الأقرب للصحة هو أن منطقة العقبة كانت من ديار جُذام، وبعد نزوح وانكماش بطون جُذام منذ ظهور الإسلام وحتى القرن الثالث الهجري بدت هذه المنطقة مهملة خَرِبة لعدة قرون وكان بعدها تدوين مخطوط تقويم البلدان والمسالك والممالك قبله فلم يذكرا نخيلًا أو زروعًا، ثم بعد ذلك أي فيما بعد القرن السابع الهجري بنماء عشائر بني عطية والمساعيد ثم ظهور الحويطات قد زرعوا من جديد تلك المناطق الساحلية بالنخيل وغيرها من الأماكن التي كانت لجُذام وقد تحيوفها بالعمران وغلبوا جُذام عليها أي على آخر قبيلة بقت في ديارها وهي بني عُقْبَة بن حرام بن جُذام، وكما هو الآن بالوقت الحاضر اضمحلت تلك القبيلة وانضمت بقاياها للحويطات وبني عطية.