للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الغَطَفاني؟، والحقيقة أن هذا شيء تناقلته الرواة ودوِّن في الكتب، ونحن لا يضيرنا هذا ولا يشغلنا، ولكنا لا نريد أن نكتب إلَّا ما يقره العقل فإذا اضطررنا إلى نقل مثل هذا فلا بد أن نبين وجهة نظرنا، والله الموفق للصواب.

ثم إن زهيرًا استمر في بني عبد الله بن غَطَفان هو وأهل بيته حلفاء لهم وذلك بسبب غضبه على قبيلته (١). وكانت منازلهم بالحاجر وهو معروف بهذا الاسم إلى اليوم.

ثم مضى زهير في شعره يمدح، ويرثي، وينصح، وكان أكثر شعره في مدح سنان بن أبي حارثة. ومدح هرم بن سنان، والحارث بن عوف بن أبي حارثة، لما تحملا ديات القتلى في حرب داحس والغبراء، وذلك في معلقته التي سنورد منها هذه الأبيات:

سَعَى سَاعيًا غَيْظِ بن مُرّة بَعْدمَا … تَبَزَّل ما بَينْ العشيرة بالدِّمِ

الساعيان هنا هرم بن سنان والحارث بن عوف. يقول سعيًا بالصلح بعدما أن الوفاق الذي بين العشيرتين تشقق بالدم. وتبزل كلمة تقال للشيء إذا تقطع وتشقق وهي معروفة في البادية إلى اليوم ومعناها تمع. فهم يقولون للسحاب إذا تفرّق وعصفته الريح تمزَّع، وتبزَّلَ.

فأقْسَمْتُ بالْبَيتِ الذِّي طافَ حولَه … رجالٌ بَنَوْهُ من قُريْشٍ وَجُرْهُم

وجُرْهُم كانوا أرباب البيت قبل قريش، وهذا القسم من زهير مغاير لما كان معروفًا عنه فقد عرف من شعره أنه لا يقسم إلَّا بالله وإيمان هذا الرجل سنتكلم عنه في آخر أخباره.

يَمينًا لنعم السَّيِّد إن وُجدتُما … على كلِّ حالٍ من سَحِيلٍ ومُبْرمِ

السحيل الأمر الذي لَمْ يحكم فهو متفرق كتفرق خيوط الطاقة، والمبرم الخيط المفتول المبروم.

تَدَاركْتُما عَبْسًا وذُبْيانَ، بَعْدَما … تَفَانَوْا ودَقُّوا بَيْنَهم عِطْرَ مَنْشِمِ

منشم امرأة عطارة من خُزَاعَة كانت تبيع العطر فإذا حاربوا اشتروا منها كفاورا لموتاهم فتشاءموا بها، وكانت تسكن مكة وهذا مثل يضرب في شدة التشاؤم وغلبة الشر على الخير.


(١) شرح شعر زهير.

<<  <  ج: ص:  >  >>