ومَن يُوفِ لا يُذّمَمْ ومن يُقْضِ قَلْبُهُ … إلى مُطمَئنَّ البِرِّ لَا يَتَجمْجَمِ
وَمَن يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُوًا صَدِيقَهُ … وَمَن لَا يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لَا يُكَرَّمِ
مطمئن البر: أي البِرِّ المطمئن في القلب، والتجمم هو التردد، ويقول: من سافر واغترب حسب الأعداء أصدقاء لأنه لَمْ يجربهم فتوقفه التجارب على ضمائر صدورهم، ومن لَمْ يكرم نفسه بتجنب الدنايا، لَمْ يكرمه النّاس.
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَليقَةٍ … وَإِنْ خَالَهَا تَخفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
يقولون: إن الاخلاق لا تخفى والتخلق لا يبقى. وهذا معنى البيت، فمهما كان للإنسان من خلق فظن أنه يخفي على النّاس عُلم ولم يخف. ولهذا ما أسر عبد سريرة إلَّا أظهرها الله علانية.
وَكَائِنْ تَرَى مِن صَامِتْ لَكَ مُعْجَبٍ … زيَادَتُهُ أَوْ نَقصُهُ في التَّكَلُّمِ
يقول: كم صامت يعجبك صمته فتحبه وتستحسن صمته ولا تظهر زيادته على غيره، ونقصانه عنه إلَّا عند تكلمه. وهذا كما قيل: الرجل بأصغريه قلبه ولسانه.
لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ فُؤَادُهُ … فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صفورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
تقدم شرحه في البيت السابق. بل هو بعينه شرح لما قبله.
وَإِنَّ سَفَاهَ الشَّيْخِ لَا حِلْمَ بَعْدَهُ … وَإِنَّ الفَتَى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُمِ
البيت واضح، والصحيح أن من بلغ الأربعين ولم يتم عقله فإنه:
وما الحرْبُ إلَّا ما عَلِمْتُمُ وذُقْتُمُ … وما هُوَ عِنْهَا بالحْديثِ المُرَجّم
يقول: إن الحرب قد سعرتكم وقد ذقتم ويلاتها وحديثي عنها وتخويفي لكم من مغبتها ليس رجمًا بالغيب فهو شيء قد جربتموه.
متى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثوها ذَميمةً … وتَضرَ إذا ضريتموها فتُضْرَمِ
والمعنى متى تهيجوا الحرب تهيجوها غير ممدوحين في ذلك وَإنما يشتد حرها وتضرم نارها وتصلادكم بلهبها والنتيجة:
فَتُعرككُم عَرْكَ الرَّحَا بِثِفَالِهَا … وتَنقَحْ كِشَافًا ثُمْ تُنْتِجْ فَتُتْمِ