للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخلق الإحباط وضعف الانتماء عند تلك القبائل العنصرها الصحيح التي نبعت منه، وهذا الشيء لا يرضي الخالق سبحانه وتعالى، فقد قال عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم مُحبِّذًا التمسك بالأصل الحقيقي للناس {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ … } [الأحزاب: ٥]. كما هناك توقع لما حدث من التباس من قبل الجزيري في ذكره لنسب أو رد أصول بني عطية والحويطات والمساعيد إلى بني عُقبة جُذام، قد يعود هذا الشيء إلى أن تلك القبائل قد نمت وتكاثرت في ديار عُقبة وجُذام عمومًا فظن الجزيري حسب اطلاعه أنهم من عُقبة مثلهم مثل العناصر الأخرى كبني شاكر وبني واصل وبني راشد وغيرهم، وكما قلت أن هذا القياس خاطئ على الأنساب لأنه لا يمكن أن تسيطر قبيلة على ديارها مدى الدهر دون دخول عناصر أخرى خارج عمود نسبها في هذه الديار، والمبدأ ليس على بني عُقبة وجذام ولكن على جميع قبائل العرب القديمة، وأقول: الصحيح أن بني عطية والمساعيد والحويطات هي عناصر خارج بني عُقبة، ونمت في ديارها وتغلبت على تلك الديار التاريخية لعُقبة وجُذام، وذلك بسبب ضعف بني جُذام في هذه الديار بعد هجراتها المتوالية ونزوحها المستمر إلى الشام ومصر منذ فجر الإسلام أو بمعنى أصح منذ الفتوح الإسلامية، ولم يبق سوى بني عُقبة بعد القرن الثاني الهجري، وقد تفرَّق منهم الكثير بطريقة تدريجيَّة حتى القرن الثاني عشر الهجري، وهذا أبى إلى اضمحلال بني عُقبة وضعفهم في ديارهم، كما اندثرت باقي بطون جُذام بالحجاز، وكما نرى الآن بقايا عُقبة قد انضمت إلى كيان الحويطات القَبَلي في التَهَم وبعضهم إلى بني عطية شرق جبال السراوات.

ونؤكد أن هذا الشيء قد حدث مع قبائل أخرى قديمة، بالتهام قبائل حديثة لديارها وانضواء بقايا الأقدم تحت مُسمَّى الحديثة الغالبة، كما ألمحنا في المقدمة بأن ذلك يرجع إلى ظروف اجتماعية أو سياسية أو معيشية منذ الجاهلية وحتى العهد العثماني.

وهناك تحليل تاريخي هو أقرب للصحة في سبب خطأ الجزيري في نسب بعض قبائل العرب في شمال غرب الجزيرة، هو أن هذا الرحَّالة المصري قد احتك ببعض الشيوخ من ذوي النعرات القَبَلية المتعصبة لعنصرها، وذلك أثناء رحلاته في

<<  <  ج: ص:  >  >>