فقاتلناه حتى قتلناه وأدركنا الظعن فأخذناهن فإذا فيهن غلام وضيء الوجه به صفرة كالمنهوك، فربطناه بحبل وقدمناه لنقتله فقال لنا: هل لكم في خير؟ قلنا ما هو؟ قال تدركون بي الظعن في أسفل الوادي ثم تقتلوني؟ قلنا: نفعل، فعارضنا الظعن، فلما كان بحيث يسمعن الصوت نادى بأعلى صوته: اسْلَمِي حُبَيْشْ على فقد العيش. فأقبلت إليه جارية بيضاء حسناء وقالت: وأنت فأسلم على كثرة الأعداء وشدة البلاء. قال سلام عليك دهرًا وإن بقيت عصرًا. قالت: وأنت سلام عليك عشرًا وشفعًا تترى وثلاثًا وترًا. فقال:
إن يقتلوني يا حبيش فلم يدع … هواك لهم مني سوى غلة الصدر
فأنْتِ التي أخليتِ لَحْمِي من دَمي … وعظمي وأسبلت الدموع على نحري
فقالت له:
ونحن بكينا من فراقك مرة … وأخرى وواسيناك في العسر واليسر
وأنت تبعد فنعم فتى الهوى … جميل العفاف والمودة في ستر
فقال لها
أرأيتك إن طالبتكم فوجدتكم … بحلية أو ألفيتكم بالخوانق (١)
ألم يك حقا أن ينول عاشق؟ … تكَلَّف إدلاج السرى في الودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذ نحن جيرة … أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن يشحط النوى … وينأى الأمر بالحبيب المفارق
فأني لا آبه بالذي أرَعينه … ولا منظر مُذْ غِبْتِ عنِّي برائق
عليَّ بآيات العشيرة شاغل … ولا ذكر إلا ذكر هيمان وامق
فقدموه فضربوا عنقه. ثم قال ابن الأثير: هذا الشعر لعبد الله بن علقمة الكناني وكان من جذيمة مع حبيشة بنت حبيش الكنانية، وساق قصة أخرى شبيهة بها، ثم قال: وعلى إثر ذلك بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد بعثه داعيًا ولم يبعثه مقاتلًا فنزل على الغميصاء ماء من مياه جُذيمة بن عامر بن عبد مناه بن كِنَانة فأخذ بنو جُذيمة السلاح فقال لهم خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموَا فوضعوا