للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال جرير فلما انتهيت إلى هذا البيت، كان عبد الملك متكئا، فاستوى جالسا وقال: من مدحنا منكم، فيمدحنا بمثل هذا أو يسكت.

ثم التفت إليَّ وقال:

يا جرير، أتري أم حرزة ترويها مائة ناقة من نعم بني كلب؟

قلت: يا أمير المؤمنين، إن لم تروها، فلا رواها الله يا أمير المؤمنين، نحن مشايخ وليس بأحدنا فضل عن راحلته، والإبل أباق، فلو أمرت لي بالرعاء، فأمر لي بثمانية رعاة، وكان بين يديه صحاف من الذهب وبيده قضيب فقلت: يا أمير المؤمنين، المحلب. وأشرت إلى إحدى الصحاف، فقال: خذها، وإلي هذه الحادثة أشار جرير بقوله:

أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية … ما في عطائهم منّ ولا سرف

(هنيدة: اسم علم على المائة).

وقدم جرير على الخليفة عمر بن عبد العزيز، عن أهل الحجاز فاستأذنه الشعر فقال عمر: ما لي وللشعر يا جرير؟

فقال جرير: يا أمير المؤمنين، إنها رسالة من أهل الحجاز.

قال: فهاتها إذن.

فقال:

كم من ضرير أمير المؤمنين لدى … أهل الحجاز، دهاه البؤس والضرر

أصابت الستة الشهباء ما ملكت … يمينه، فحناه الجهد والكبر

ومن قطيع الحشا عاشت مخبأة … ما كانت الشمس تلقاها ولا القمر

لما اجتلتها صروف الدهر كارهة … قامت تنادي بأعلى الصوت: يا عمر

وتعرف جرير على يزيد بن معاوية، وهو أمير، وجعل يختلف إليه، وهو شاب واستلطفه يزيد، واتفق أن يزيد أراد أن يعاب أباه معاوية بشعر فاقتبس أبياتا من قصيدة لجرير، فرفعها لأبيه عن لسانه وفيها قول جرير:

باي سنان تطعن القوم بعدما … نزعت سنانا من قناتك ماضيا

<<  <  ج: ص:  >  >>