جوف ليل مظلم، فكبَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح، وكبَّر المسلمون. ثم ضربها الثانية فكذلك. ثم الثالثة فكذلك. وذكر ذلك سلمان والمسلمون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسألوه عن ذلك النور. فقال: لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب. فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ومن الثانية أضاءت القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ومن الثالثة أضاءت قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فابشروا، واستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعود صادق، قال: ولما طلعت الأحزاب قال المؤمنون هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانًا وتسليما. وقال المنافقون: يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كِسرَى وأنها تُفتحُ لكم، وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرروا، فنزل فيهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢)} [الأحزاب: ١٢] قال ابن كثير: وهذا حديث غريب جدا.
قلت: حديث الصخرة هذا قد ورد من عدة طرق غير هذا بألفاظ مختلفة عن عمرو بن عوف المزني عند الطبراني. وعن ابن عباس عند الطبراني أيضًا وذكر قصة العجين والجدي الذي ذبحه صاحبه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه (١). وأورده البيهقي عن البراء بن عازب الأنصاري. وأورده النسائي عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وله طرق كثيرة ليس هنا مجال ذكرها.
والشاهد منها أن المترجم له رضي الله عنه شهد غزوة الخندق بل مزينة كلها شهدتها أو أكثرها لأن إسلام مزينة كما تقدم في رجب سنة خمس والأحزاب في شهر شوال سنة خمس فلم يكن بين إسلام القبيلة والغزوة سوى ثلاثة أشهر. والعلم عند الله تعالى.
وقال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن النعمان بن مقرن قال: غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل: الحديث.
(١) وهو جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - وحديثه هذا في غزوة الخندق من صحيح البخاري.