للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ظلت أخبار بني تميم تتوالى، وحوادثهم يتصل بعضها ببعض في خراسان وبلاد ما وراء النهر، وفي عام ٩١ هـ وفي أتون احتدام معارك الفتوح الإسلامية في بلاد ما وراء النهر كان بنو تميم يسجلون ضروبا من الشجاعة منقطعة النظير فكانوا هم أبطال فتح "بُخارى" ببلاد الصّغد على وجه التحديد يتقدمهم وكيع بن حسان وهريم بن أبي طحمة المجاشعي، على أن قتيبة بن مسلم الباهلي وبعد أن كان يقول لهم: يا بني تميم أنتم مني بمنزلة الحُطمية تنكو لهم، وزاد على ذلك بأن قتل الأهاتم من بني منقر السعديين (١)، ولم يقبل شفاعة وكيع التميمي فيهم، وصرف إمارة تميم عن وكيع، وقلدها ضرار بن الحصين الضبي التميمي.

وما إن أهل عام ٩٦ هـ حتى كان قتيبة يعيش مأزقا خطيرا؛ إذ هو قد أجاب الوليد بن عبد الملك إلى نزاع ولاية العهد من أخيه سليمان وجعلها لابنه عبد العزيز وقد مات الوليد وتولي الخلافة سليمان فخافه قتيبة وخشي قدوم يزيد بن المهلب إليه واليا على خراسان، فغزا فرغانة (٢)، واضطرب أمره حسين دعا القبائل إلى خلع الخليفة، فلما لم يجبه أحد انهال على الناس شتما وتوبيخا حتى استفزهم (٣)، وغضبت الأزد غضبا شديدا همت معه بالفتك بقتيبة لولا أن أشار عليها زعيم ربيعة الحضين بن المنذر بالتريث لئلا تتعصب تميم له.

ووجد الناس ضالتهم المنشودة في وكيع بن حسان بن أبي سود التميمي الموتور بقتل الأهاتم والغاضب على قتيبة لغمطه حق تميم، وصرف رئاستها عنه، والمملوء زهوا وتيها بجفاء وكبرياء شديدين وبايع الناس وكيعا فقتل قتيبة في أحداث ملأت أعطاف كثير من الشعراء غرورا فراحوا يتجاذبون قضية مقتله


(١) قال كعب الأشقري الأزدي في قتل قتيبة للأهاتم:
قل للأهاتم من يعود بفضله … بعد المفضل والأغر يزيد
ردا صحائف حتفكم بمعاذر … رجعت أشائم طيركم بسعود
انظر الأصبهانى: الأغاني ج ١٤ ص ٢٩٣.
(٢) انظر ابن الأثير: الكامل ج ٤ ص ١٢٨.
(٣) وكان القيسيون ممن نالهم شتمه وتربيخه فلما أحس بالخطر قال: أين بنو عامر؟ فقال محفن بن جزء الكلابي نادهم حيث وضعتهم. انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ج ٨ ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>