للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميع الأقوام القديمة، مثل الكنعانيين والسريان والآشوريين والفينيقيين والأدوميين والمؤابيين والعمونيين والحشبسويين والبيسانيين والسومريين والكلدانيين والبابليين، وغيرهم الكثير من تلك الشعوب المنقرضة في البقعة العربية، وقد انقرض الأنباط وبادت دولتهم قبل الإسلام، وبقايا النبط هؤلاء في صدر الإسلام ذابوا وانصهروا في أهل الحضر من سكان الأمصار والمدن أو القرى العربية في الشام والعراق ومصر، وهذا لأنَّ أهل الحضر مثل الأنباط مائلين إلى الشعوبية، إذن فمن المستحيل أن يوجد كيان للأنباط في شكل قَبَلي متعصب متماسك كالحويطات أو غيرهم من الكيانات القَبَلية العربية؛ ولأن العرب قوم قَبَليون لا شعوبيون هي صفة مميزة لهم منذ فجر التاريخ، لا تذوب فيهم الأرومات والأنساب مثلما في الأنباط أو هؤلاء البشر من سكان البلاد العربية في المدن، أو غيرها من الشعوب والأمم من حولنا في كوكب الأرض.

ثم نتساءل لو وُجِدَ كيان قَبَلي مميز ومعروف من بقايا الأنباط هؤلاء، لماذا لَمْ يُكْتَشَف من قِبَل علماء ومؤرخي العرب في القرون التي مضت؟ وإن الشيء الذي لا يخفى على أحد أن العرب بالذات نبغوا في علم الاجتماع والأنساب والتاريخ والأدب والشعر أكثر من غيرهم، وكما لا يُذكر لا في عهد الدولة الأموية ولا العباسية ولا الفاطمية ولا الأيوبية وحتى العهد العثماني لَمْ يتطرق أي مؤرخ أو نسابة عربي لما يزعم به هؤلاء المستشرقون، بل حتى هؤلاء الرحَّالة في الحجِّ عبر القرون التي مضت لَمْ يذكر أحد منهم هذه الفرية (١) أو هذا الهراء عن وجود بقايا للأنباط متمثلًا في أي كيانات قبلية، بل إن هذه الدعوى لَمْ تظهر إلَّا من بعض المستشرقين وبالظن منهم في القرن الأخير، وللأسف تولى نقله وترويجه الأستاذ فؤاد حمزة، والدكتور جواد علي في هذا القرن، وقد نقل عن كليهما بعض المحققين الحديثين بضيق أفق وكأن المذكورين معصومان من الخطأ أو الزلل، وحاشا لله فلا معصوم إلَّا النَّبِيّ المختار - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وكما بتحليل ما ذكره الدكتور جواد علي في تنقيحه لتاريخ العرب قبل الإسلام نقلًا عن بعض المستشرقين، فنجد أنه قد قَرَن ذلك بكلمة يظن قائلًا ما هو نصه: (يظن جماعة من المستشرقين أن الحويطات الساكنين في منطقة حِسْمى في


(١) الفرية: الاختلاق للشيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>