المناطق الشمالية من الحجاز التي كانت تسكنها جُذام هم من بقايا النبط). فلو نظرنا في بداية العبارة لوجدناها تبدأ بكلمة (يظن)، وهذه الكلمة تبعد اليقين عن هذا الادعاء، كما أن العبارة مقتضبة لَمْ يوضح فيها سند تاريخي، ولم يشر إلى أي تعليل أو تفسير يؤكد صحة ما ورد في هذه العبارة، التي هي نقل عن الغير بطريقة سلبية، وإن الظن عيب كبير عندنا نحن العرب أو بمعنى أصح القَبَليون منا، فالبينة على من ادعي، وادعاء بدون بينة فهو باطل يشوبه النقص العلمي والتاريخي يعتريه الخطأ، وكان على الدكتور جواد علي كباحث تاريخي كبير أن يتحقق بدراسة دقيقة وفحص شامل عن نسب وحقيقة عنصر هذه القبيلة العربية الحديثة التكوين، ولا يتهاون لحظة واحدة في الحصول على الدليل الحاسم والتاريخي لما نقله من رأي لبعض هؤلاء المستشرقين الأجانب، وكان أولى به أن يمتنع عن تدوين ذلك في مصنفه (تاريخ العرب) الشهير؛ لأنَّ ذكر عبارة مثل تلك تعتبر تشكيكًا في نسب عنصر قبلي عربي له كلّ إعزاز وتقدير في المجتمع العربي القَبَلي وله شيمته العربية الكريمة، ولربما تنقيح هذه الكلمات في مجلد كبير ضخم كان هيِّنًا على الدكتور جواد علي، ولكنه ليس بالهين على الحويطات المطلعين والمثقفين، وقد حزَّ في نفوسهم الخوض ظلمًا في جذورهم العربية الأصيلة ومعدنهم الكريم، وتسبب ذلك طبعًا في الألم والمرارة التي اعتصرت قلوب البعض منهم، بل وقد ضايق هذا الكثير من عشائر وقبائل العرب الأخرى الذين تصاهروا مع عنصر الحويطات متكافئين معهم في الحسب والنسب، أو الذين ارتبطوا مع الحويطات بأواصر الحلف أو الجوار أو الصداقة … إنها مسئولية خطيرة في أعناق جميع الباحثين والمحققين، فالحذر كلّ الحذر من مساس أنساب القبائل بالباطل أو التخبط في أحسابها وشرف عنصرها؛ لأنَّ ذلك لربما هو هيِّن في نظر رجل حضري كالدكتور جواد على أو الأستاذ فؤاد حمزة - رحمهما الله، ولكنه عظيم يهز مشاعر ووجدان القبائل العربية ومَنْ منها في البادية على الأخص بكل قوة وعنف.
وفي شرح تواريخ الأنباط تبين أن لسانهم أقرب إلى اللهجة الأعجمية ويختلف عن لسان قبائل العرب، وطباعهم مختلفة في شتى النواحي، وكانوا يسكنون قصورا مشيدة بقيت آثارها حتى الآن في شرق الأردن وشمال الحجاز بالمملكة العربية السعودية، وكان للأنباط دولة تتابع عليها عدة ملوك، وكان لهم