للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقشعر الأبدان ويهتز الوجدان ألمًا من هؤلاء الغادرين قُساة القلوب، الذين اقترفت أيديهم إثمًا وظلمًا عظيمين غضب لهما عرش الرَّحمن، ولم يرحم هؤلاء صرخات النساء من آل الحسين، لَمْ يرحموا بكاء الأطفال فأطلقوا سهامهم النارية على الخيام التي تؤوي الحريم، وصادف وجود الحسين يهدئ من روع طفل له فأصاب الطفل سهم أرداه قتيلا في حجر أبيه، ومات الطفل يصرخ رعبًا وعطشًا!!

ودافع الحسين دفاع الأبطال، ولكن هيهات فقد أحرقوا الخيام فصارت الأطفال والنساء في العراء في لهيب المعركة التي قُتل فيها جميع من مع الحسين، وقد قتلوا من أعدائهم أكثر من عددهم، وكان مع الحسين اثنان وسبعون وأعداؤه يزيدون على أربعة آلاف يقودهم عمر بن سعد، فلما استبد بالحسين العطش اتجه صوب الفرات ليرتشف الماء ويواصل القتال، ولكن أعداء الله حالوا بينه وبين ماء الفرات، فلم يستطع سوى أن يغترف غرفة واحدة سددوا نبالهم إلى حلقه، ففار الدم من فمه على نهر الفرات بعد أن نزع السهم من حلقه، وقد سارع سِنان بن أنس (١) وضربه بحربته ثم احتز رأسه بكل قسوة وغلظة!!، وسقط سيد شباب أهل الجَنَّة في هذا اليوم الكئيب في كربلاء، وسيقت حريمه وأخواته وبنات عمه كالسبايا، ثيابهم مُرمَّلة وخدودهم مُعفَّرة، تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الريح من كربلاء حتى الكوفة مقر ابن زياد، ثم من الكوفة حتى دمشق مقر اليزيد بن معاوية!!.

حقًّا وصدقًا إنها نقطة سوداء في تاريخ بني أمية القُرشيين، وكل من شارك في هذه المأساة يلقى حتى الآن الازدراء من المسلمين، وفي الآخرة يوم الحساب عذابهم أشد وأقوى من أحكم الحاكمين، فحسبي الله ونعم الوكيل.

وعلي زين العابدين بن الحسين الوحيد الذي نجا من تلك المذبحة، بسبب مرضه أثناء المعركة في كربلاء، ثم كاد أن يقتل من ابن زياد بعد أن كلَّمه ورد على زين العابدين بفصاحة، حقد وبغى وأمر بضرب عنقه بعد أن أمر أحد الجند أن يكشف عليه فوجده بلغ مبلغ الرجال، ولكن علي لما سمع أمر قتله رد بشجاعة عل ابن زياد وقال: مَنْ للحريم تبقي إن كنت مؤمنًا، فابعث معهم وليًّا يصحبهن بصحبة الإسلام، وهنا فزعت السيدة (زينب) عمته وتملكتها قوة لا يردها سلطان


(١) سنان بن أنس النخعي من (مَذْحِج) القحطانية - عرب اليمن - (مروج الذهب للمسعودي - تاريخ العبر لابن خلدون).

<<  <  ج: ص:  >  >>