ولا يرهبها سلاح، فاحتضنت ابن شقيقها وتعلَّقت به وصرخت في وجه الطاغية قائلة:
يا ابن زياد حسبك منَّا ما فعلت بنا، أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منا أحدًا!؟ أسألك بالله - إن كنت مؤمنًا - إن قتلته، فاقتلني معه!! فسكت الطاغية برهة. وقد أفزعته هذه الكلمات، فتراجع في خزي وخور وارتد مشدوها والتفت إلى من حوله وقال:
عجبًا للرحم! والله إني لأظن أنَّها ودت لو أني قتلته أن أقتلها معه، دعوا الغلام، ثم التفت إلى علي زين العابدين وقال: انطلق مع نسائك، وهكذا أنقذ الله زين العابدين من القتل، وقد نجا من الأيدي الآثمة التي فتكت بأبيه، لتكون إرادة الله، ولا تُمحي ذرية السبط الحسين بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وأم زين العابدين كانت فارسية، وهي بنت ملك فارس كِسْرَي يَزْدَجْرد الثالث، وقد أسرها العرب المسلمون أيام الفاروق عمر بن الخطَّاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكان معها أختًا لها تزوج بها عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكانت تُلَقَّب أم زين العابدين في المدينة المنورة (بسلافة)، ولكن اسمها الفارسي شهربانو وشهرته چيهان شاه، أي ملكة العالم بلغة فارس، ونشأ علي زين العابدين في المدينة تقيًّا وورعًا وعالمًا نحرير.
وقد ثأر الله لدم الحسين وذويه، فقد قصف الله عمر (يزيد بن معاوية) بعد ذلك بثلاث سنوات، وكان موته بعد رمية الكعبة بالمجانيق لإحدى عشرة ليلة، وتولى ثأر الحسين من قاتليه رجل من قبيلة (ثقيف) العدنانية اسمه المختار بن عبيد الثقفي، فقد تولى الكوفة قهرًا عن الأمويين، ثم طرد (ابن زياد) من العراق الذي استنجد بجيش أموي من الشام كي يسترد العراق من المختار، وبالرغم من قوة جيش ابن زياد فقد أرسل المختار الثقفي رجلًا قاد الجيش ضد ابن زياد اسمه الأشتر النَّخعي (١)، وقد استطاع النخعي أن يُحَمِّس رجاله ضد ابن زياد وتمكن منه، وقد ضربه بالسيف ضربة قدته نصفين، وقد وافق مقتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء، وهو نفس اليوم الذي قتل فيه الحسين ظُلمًا في كربلاء، فسبحان الله على القصاص الإلهي المنظم، وهو القاهر فوق عباده عزَّ وجلَّ.
(١) هو: إبراهيم بن الأشتر من قبيلة النَّخع (إياد) ودخلوا في مَذْحِج القحطانية.