للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قلائد أبي الشيص المبالغة السائرة في الأرض قوله:

يا دَارُ مَالَكِ ليس فيكِ أَنيسُ … إلا معالم آيُهنُ دُرُوسُ (١)

الدهرُ غَالَكِ أمْ عراك من البِلى … بعدَ النَّعيم خُشُونةٌ ويُبُوسُ (٢)

ما كانَ أخْصَبَ عيشَنَا بكِ مرَّة … أَيامَ رَبْعُكِ آهِلٌ مَأنُوسُ

فَسَقَاكِ يا دارَ البِلى مُتَجرّفٌ … فيه الرَّواعِدُ والبروق هجوسُ

دارٌ جَلا عنها النعيم فَرَبْعُها … خلَقٌ تمرُّ به الرياحُ يبيسُ

طَلَلٌ مَحتْ أيُّ السماِء رُسُومَهِ … فكأنَّ باقي مَحْوهنَّ دروسُ

ما اسْتَحلَبتْ عينيك إلا دِمْنَةٌ … ومَخرَّبٌ عنه الشَّرى مَنْكُوسُ

ومخيَّسٌ في الدار يَنْدبُ أهْلَهُ … رثُّ القلادة في الترابِ دَسيسُ (٣)

أَنس الوحوشُ بها فليسَ بربعها … إلا النعامُ تَرُودُه وتَحَوسُ (٤)

رَبْعٌ تَربَّعَ في جَوانبه البِلى … وَعَفَتْ مَعَالِمُه فَهُنّ طُموسُ (٥)

يَدْعُو الصَّدَى في جَوفهِ فيُجِيبهُ … رُبْدُ النعام كأنَّهُنَّ قُسوسُ (٦)

ولربّما جرَّ الصَّبَا لي ذَيلَهُ … فيه، وفيه مأنَفٌ وأَنيسُ

من كُلِّ ضامرة الحشَا مهضومة … لحبالهَا بحبالنا تَلْبيسُ

مُتستّراتٌ بالحياء لوابسٌ … حُلَلَ العَفَاف عن الفواحش شُوسُ (٧)

وسبيئةٌ من كَرْمها حِبريَّةٌ … عذراءُ منْ لَمسِ الرِّجَال شَموسُ (٨)

لم يَفْتقِ النُّعمان عُذْرتَها ولم … يَرْشفْ مُجَاجَة كَاسهَا قَابُوسُ (٩)

كَتبَ اليهودُ على خَواتمِ دَنّها … يَا دنّ أنتِ على الزمَانِ حَبيسُ


(١) دَرَسَ الرَّسم دُرُوسًا: عفا وذهب أثرهُ، وتقادم عهده فهو دارسٌ ج دوارس.
(٢) الدهر غالك: أي خانك أو غدر بك.
(٣) خيسه تخيسًا: ذلَله أو حبسه، والدسيس: ما دس في التراب.
(٤) تروده: تتفقده وتطلبه. وتحوس: تتردد بينه بمعنى تجوس.
(٥) لعلها (تريع) بمعنَى جري.
(٦) الصدى: نوع من البوم عظيم الرأس ينادي في الأماكن الخربة.
(٧) في الأصل: سوس. والشوس: إظهار والتيه والنخوه.
(٨) شموس: ممتنعة.
(٩) العُذرةُ: البكارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>