للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفسر لنا المثل المتداول عند العامة (قَطِيْعة باهلة) حين يدعون على أحد بأن يقطعه اللَّه كالقطيعة بين فروع قبيلة باهلة الذين لا تواصل بينهم من حيث النسب لجهلهم بأسباب التقارب بينهم.

ومن المعروف أيضًا أن كل قبيلة عندما تضعف تتفرق فروعها وتتداخل مع قبائل أخرى في أنسابها، وفي منازلها، وهكذا كانت قبيلة باهلة بعد أن أدركها الضعف، وكان ذلك في عهود متقدمة، إذ في صدر الإسلام لم تكن كل فروعها مجتمعة في بلادها المعروفة باسم سواد باهلة، بل كانت بعض الفروع تحل بلادًا خارجة عنه، كبني جِئَاوَة الممتدين على وادي التَّسْرِيْر (الرِّشاء الآن) من أعاليه بقرب التير وثَهْلان، إلى حيث تنتشر بلاد إخوتهم من غني في أسافل حمى ضرية.

ومن باهلة من استوطن بِيْشَة، وكتب لهم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كتابًا بأن لهم ما أحْيَوا في تلك البلاد، ومنهم من استقر في تبالة، حيث كان منهم سدنة ذي الخُلَصَة.

من هنا يتضح أن تفرق هذه القبيلة كان في عهد قديم.

ولهذا فليس من المستغرب أن لا يجد الباحث بين سكان بلادها القديمة من فروعها أحدًا، ولا شك أن من بين تلك الفروع من اندمج في فروع قبائل أخرى كبني نُمَيْر، جيران باهلة، الذين لا تزال فروع منهم تحل في بعض أجزاء من بلادهم القديمة، كوادي الرَّيْبِ وما حوله (الرين) وإن أصبحت الفروع النُّمَيْرِيَّة في عهدنا تنتسب إلى قحطان، ولعل هذا ناشئ عن كون أشهر تلك الفروع يُدعى (عَبِيْدَة) في العهد القديم، ولما صار لقبيلة عَبِيْدة في العهود الأخيرة من الشهرة وارتفاع الصيت، وجهل ذلك الفرع أصله، انتسب إلى عَبِيْدة القحطانية للاتفاق في الاسم، وهذا معروف في قبائل العرب منذ عهودها القديمة كما ذكر ذلك الهمداني في "صفة جزيرة العرب" في كلامه على الأجْعُود من حِمْيَر، وأنهم ينتسبون إلى جَعْدَة من بني عامر العدنانيين قال (١): وكذلك سبيل كل قبيلة من البادية تضاهى باسمها اسم قبيلة أشهر منها فإنها تكاد أن تتحصل نحوها وتنسب إليها، رأينا ذلك كثيرًا.


(١) "صفة جزبرة العرب" -١٨٠ - طبعة دار اليمامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>