للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنكبة الثالثة وقعت عقب الحرب العامة وزوال الحكم العثماني من البلاد، حين هاجمها الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود بجند من متعصبة الإخوان أيام كان الإخوان إبان اشتداد غلوائهم، ففعلوا في أبها الأفاعيل، وخربوا كثيرًا من معالم العمران. حتى لقد هدموا الأسبلة التي يستقي منها الناس بحجة أنها قباب. وهدموا بعض البيوت بدعوى أنها بيوت أخصامهم وهم في حاجة إلى الحطب فاستعملوا خشبها وقودا، وكسروا آلات الخياطة لأنها من أعمال السحر، وحطموا المرايا الكبيرة لأنهم لم يعرفوها. وقد روى لي بعضهم في هذا الشأن قصة طريفة، وذلك أن ولد مترك بن شفلوط من كبار قحطان دخل بيتًا كبيرًا فتخيل أمامه رجلا يعترض طريقه، فانتهره، فأجابه ذلك بالمثل، فرفع يده بسيفه، فقابله بمثل حركته، فما كان منه إلا أن أسرع الخطى نحو مبارزه، وبادره بضربة تردد صداها في سائر البيت، واجتمع الناس على صوت مرآة تتحطم من ضربة سيف ابن شفلوط الذي تخيل خياله المنعكس في المرآة عدوا مبارزًا.

والنكبة الرابعة والأخيرة وقعت عقب غزو الأمير فيصل نجل الملك عبد العزيز لأجل إنقاذ فهد العقيلي من الحصار. فقد ترك أبها بعد أن أمر عليها رجلا اسمه ابن عفيصان، ثار عليه الحسن بن علي بن عائض، وحاصره في قصر شذا مدة طويلة إلى أن وصلت النجدات من نجد وفكت الحصار عنه، فما كان منه بعد فك الحصار إلا أن أدب المجرمين وهدم منازلهم، وكذلك فعل بالثكنات والقلاع والأبراج المحيطة بأبها. وكانت هذه النكبة ثالثة الأثافي التي أتت على كل آثار الحكم العثماني في البلاد.

وبعد هذه النكبات المتوالية بدأت أبها بالانتعاش مرة أخرى وقد ساعد على انعاشها استتباب الأمن واستقرار الحكم السعودي من حين اتخاذها قاعدة لجميع الأعمال العسكرية في تهامة واليمن. وكانت الجيوش تذهب وتجيء إليها وتترك فيها من النقود ما استعاد به أهلها ثراءهم وبعض ما فقدوه في الفتن السابقة. حتى إن تعداد أبها قد بلغ إبان اتخاذها قاعدة للأعمال العسكرية حوالي خمسة عشر ألفًا عدا الجند والموظفين، ولكنه الآن لا يزيد على ثمانية آلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>