وانتقل إلى الكوفة. ولا شك أن الحسن والحسين قد رحلا إلى هذه المدينة ليكونا بجوار أبيهما.
لم تصرف الخلافة وأبهتها عليا بن أبي طالب عن أخذ الناس بالسوية، لا فرق في ذلك بين قريب أو بعيد. فقد كان لا يعطي ولديه الحسن والحسين أكثر من حقهما، فكانا يعيشان في الكوفة عيشة الزاهد المتقشف بعدا عن الدنيا، وإيثارًا للآخرة وثوابها.
يقول ابن عبد البر في "الاستيعاب"(١):
"كان علي إذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئًا إلا قسمه، ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك. ولم يكن يستأثر من الفيء شيئًا ولا قريبًا ولا يخص به حميما ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات".
فلما قُتل علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- لثلاث عشرة بقيت من رمضان سنة أربعين للهجرة بايع أهل العراق ولده الحسن بن علي، وبقي نحو سبعة أشهر خليفة للعراق وما يليه من خرأسان والحجاز واليمن وغيرها. ولم تثبت خلافة الحسن أمام قوة معاوية بن أبي سفيان، فآثر أن يتنازل عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين. وكان يقول: ما أحببت أن إلى أمر أمة محمد على أن يهراق في ذلك محجمة دم.
روي عن الحسن أنه قال لعبد اللَّه بن جعفر رضي اللَّه عنهما:
- إني رأيت رأيا أحب أن تتابعني عليه.
- ما هو؟
- رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها وأخلي الأمر لمعاوية، فقد طالت الفتنة، وسفكت الدماء وقطعت السبل.