سأله رجل صدقة ولم يكن عنده ما يسد به فاستحى أن يرده فقال:
ألا أدلك على شيء يحصل لك منه بر؟ قال: بلى، فما هو؟ قال: اذهب إلى الخليفة فإن ابنته توفيت وانقطع عليها وما سمع من أحد تعزية فعزه بقولك له:
"الحمد اللَّه الذي سترها بجلوسك على قبرها ولا هتكها بجلوسها على قبرك"، فذهب الرجل وفعل ما قال له: فذهب عن الخليفة حزنه وأمر له بجائزة وقال له أكلامك هذا؟ قال: لا بل كلام فلان.
قال: صدقت فإنه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أخرى.
إن من يلوذ بأهل البيت، لا يرد خائبا بل ينال كما يريد وفوق ما يريد، فإنهم منبع الكرم والجود والإحسان، قد كان في استطاعة الحسن أن يعتذر لمن سأله بأنه ليس لديه شيء يعطيه ويكون عذره وقتئذ مقبولا، ولكنه التمس له طريقة يفرج بها غرب السائل فأشار عليه بما تقدم فنال الخير الكثير.
خرج الحسن والحسين وعبد اللَّه بن جعفر، -رضي اللَّه عنهم- حجاجا. فلما كانوا ببعض الطريق جاءوا وعطشوا وقد فاتتهم أثقالهم، فنظروا إلى خباء فقصدوه فإذا فيه عجوز، فقالوا: هل من شراب؟ فقالت نعم، فأناخوا بها وليس عندها إلا شويهة، فقالت: احلبوها واشربوا لبنها ففعلوا ذلك. فقالوا لها: هل من طعام؟ قالت: هذه الشويهة ما عندي غيرها، فأنا أقسم عليكم باللَّه إلا ما ذبحها أحدكم حتى أهيئ لكم الحطب فاشووها وكلوا، ففعلوا ذلك وأقاموا عندها حتى أبردوا. فلما ارتحلوا من عندها، قالوا لها: يا هذه، نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين، فألمي بنا فإنا صانعون بك خيرا إن شاء اللَّه تعالى. ثم ارتحلوا. وأقبل زوجها فأخبرته فغضب وقال: ويحك أتذبحين شاتنا لقوم لا نعرفهم ثم تقولين نفر من قريش!
ثم بعد دهر طويل أصابت المرأة وزوجها السنة فاضطرتهم الحاجة إلى دخول المدينة فدخلا يلتقطان البعر فمرت العجوز في بعض سكك المدينة معها مكتلها تلتقط فيه البعر، والحسن -رضي اللَّه عنه- جالس على باب داره، فنظر إليها فعرفها فناداها