ولما ولي عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أمر الخلافة لم يكن الحسين قد بلغ الحلم بعد، فلما بويع عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- كان قد جاوز العشرين من العمر، فأضحى فتى في حكمة الشيوخ يافعا في زهد النساك وتعبدهم، عالمًا في وقار العلماء، أخذ من العلم بقسط وافر واغترف مناهل الفضائل و مكارم الأخلاق. فلما دعا الداعي إلى الجهاد في سبيل اللَّه، لم يتردد، بل كان في طليعة الذين سارعوا خفافا غير ثفال للاشتراك في الجيش الذي سار لفتح طبرستان بقيادة سعيد ابن العاص (١).
ولم يركن الحسين إلى الدعة والترف ولم يأخذ نفسه بما يأخذ به الشبان أنفسهم من لهو أو إيثار عافية، بل سارع إلى القتال غير هياب ولا وجل.
وعندما حاصر الثوار عثمان بن عفان في داره بالمدينة، هب علي بن أبي طالب يدافع عنه فأرسل ابنيه الحسن والحسين يذودان عنه العدوان، ولكنها لم يستطيعا لإرادة اللَّه تعالى دفعا فقد اغتيل عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-، وبويع علي بن أبي طالب -كرم اللَّه وجهه- وانتقل إلى الكوفة فانتقل معه ولداه الحسن والحسين. وقد شهد الحسين مع أبيه موقعة الجمل، وحارب معه يوم صفين وأسهم في قتال الخوارج.
ولما قتل علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أخذت البيعة للحسن، كان الحسين في طليعة من بايعه وأيده وشد من أزره ونصره: فلما نزل الحسن لمعاوية عن الخلافة وآثر العافية لم يوافقه الحسين وأشار عليه بالقتال، فغضب الحسين وقال له: واللَّه لقد هممت أن أسجنك في بيت وأطين عليك بابه حتى أقضي بشأني هذا وأفرغ منه ثم أخرجك، فلم يراجعه الحسين بعدها وآثر الطاعة والسكوت، وهذا مثل كريم بضربه الحسين في آداب الأسرة.
لما توفي معاوية سنة ٦٠ هـ كان على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان فكتب يزيد بن معاوية إلى الوليد "من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة" أما بعد، فإن
(١) راجع سلسلة آل البيت، آل البيت لمحمود الشرقاوي، حياة فاطمة، الحسن والحسين لمحمد رضا، رأس الحسين لابن تيمية.