للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن العباسيين كانوا يعلمون قدر رجال هذه الأسرة الذين كانوا "من أكابر المصريين من أعوان بني أمية" (١). فأبقوا عليهم بالرغم من هذا، وأعطوهم الأمان عندما طلبوه منهم (٢). لما فتحوا مصر سنة ١٣٢ هـ. ويبدو أن الحديجيين كانوا، نتيجة لممارستهم الحياة المنظمة منذ أمد طويل، يتمتعون بوعي سياسي رفيع جعلهم يفوقون غيرهم من العرب في إدراك معنى الدولة ووجوب إقامة سلطانها، فقد ظلوا على حالهم في الدولة العباسية يلون المناصب الكبرى في كفاءة وإخلاص ويتعرضون للموت في سبيل الدولة. وفي الصراع بين الأمين والمأمون وقفوا في الناحية الأخرى المقابلة للعنصر الفوضوي المعادي للدولة (أهل الحروف). ولا شك أن من آيات الثقة بالنفس والإيمان بسلطة الدولة إقدامهم على ولاية الإسكندرية التي كانت تعج بالفتن في أواخر القرن الثاني. ثم كان اشتراكهم في ثورة أسفل الأرض - وهي ثورة كان لها مبرراتها من فساد أداة الحكم في مصر باعتراف الخليفة المأمون نفسه (٣). مظهرًا جديدًا لحرصهم على سلامة الدولة.

لَمْ يكن أثر الحديجيين في الحياة الاجتماعية أقلّ بروزا من أثرهم السياسي فقد ظلوا طوال حياتهم يحافظون على تقاليد الأرستقراطية العربية، وهي تقاليد النبالة بعامة. فقد حرص عميدهم معاوية على الثأر لعثمان، كما حرص على حفظ روح الفروسية الحقيقية في أولاده الذين لَمْ تكن لسروجهم ركب إنما يثبون على الخيل وثبا (٤). أما تحرش هاشم بن عبد الله بأهل الحرس وتمسكه بإلغاء نسبهم المزور فدليل على حدة عصبيته الطبقية والجنسية معا. أما تفضيل هبيرة بن هاشم الموت على تسليم جاره الطائي فمثل من أروع أمثلة الخلق العربي الأصيل الذي يعيد إلى الأذهان قصة السموأل على نحو ما التفت سعيد بن عفير الذي أعجب بهذا الصنيع - وهو الشاعر العربي القح - إعجابا شديدًا (٥). ولا يقل روعة عن هذا حمية عمر بن هلال الذي آثر هو وأقاربه الرجال أن يدلوا أنفسهم


(١) النجوم ج ٢ ص ١٧.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) الولاة ص ١٩٢ والنجوم ج ٢ ص ٢١٦.
(٤) فتوح مصر ص ١٤٣.
(٥) الولاة ص ١٥٢ - ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>