للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا دهر أف لك من خليل … كم لك بالإشراق والأصيل

من صاح أو طالب قتيل … والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الأمر إلى الجليل … وكل حي سالك السبيل

وأعادها مرتين أو ثلاثًا فأدرك ما اعتزمه والده ولزم السكوت، وسمعته زينب بنت الزهراء، فلم تملك أن وثبت تجر ثوبها حتى انتهت إليه ونادت: واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت أمي فاطمة، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي.

فنظر إليها الحسين وقال: يا أخية لا يذهبن بحلمك الشيطان.

قالت: بأبي أنت وأمي يا أبا عبد اللَّه، نفسي فداك!

قال الحسين: لو ترك القطا ليلًا لنام.

فقالت: واويلتاه! أفتغصبك نفسك اغتصابا، فذلك أقرح لقلبي، وأشد على نفسي، وأطول لحزني، وسقطت مغشيا عليها.

فقام إليها الحسين فصب الماء على وجهها، وقال (١):

اتقي اللَّه وتعزي بعزاء اللَّه، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يموتون وإن كل شيء هالك إلا وجه اللَّه. أبي خير مني وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولكل مسلم برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسوة، فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها:

يا أخية إني أقسم عليك لا تشقِّى عليّ جيبا، ولا تخمشي وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور، إن أنا هلكت.

ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقربوا بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد،


(١) راجع آل البيت للشرقاوي بالإضافة إلى المصادر السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>