للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده، فقطعها إلى الجلد، فصرخ الغلام فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي، اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير، فإن اللَّه يلحقك بآبائك الصالحين.

ورفع الحسين بصره إلى السماء يناجي اللَّه قائلًا:

اللهم أمسك عنهم قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض، اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض عنهم الولاة أبدًا، فإنهم دعونا لينصرونا، فعدوا علينا فقتلونا (١).

ثم قاتل من أمامه فانكشفوا عنه وبقى الحسين في ثلاثة رهط أو أربعة.

ولما قتلوا وبقي الحسين وحده، وقد أثخن بالجراح في رأسه وبدنه، حمل الناس عليه عن يمينه وشماله، فحمل على الذين عن يمينه، فتفرقوا، ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا. فما رأى رجل قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا، ولا أجرأ مقدما منه إذ كانت الرجالة لتنكشف عن يمينه وشماله كلما شد عليها، وبينما هو كذلك إذ خرجت زينب فقالت:

ليت السماء انطبقت على الأرض، ونظرت إلى عمر بن سعد وقالت:

يا عمر، أيُقتل أبو عبد اللَّه وأنت تنظر؟

فدمعت عيناه حتى سألت دموعه على خديه ولحيته، وصرف وجهه عنها والحسين يقاتل قتال الفارس الشجاع، يتقي الرمية، ويشد على الخيل وهو يقول:

أعلى قتلي تجتمعون! أما واللَّه لا تقتلون بعدي عبدا من عباد اللَّه أسخط عليكم لقتله مني. وايم اللَّه إني لأرجو أن يكرمني اللَّه بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما واللَّه أن لو قد قتلتموني لقد ألقى اللَّه بأسكم بينكم وسفك دماءكم، ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم.


(١) استشهاد الحسين للطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>