ومكث طويلًا من النهار، ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا، ولكنهم كان يتقى بعضهم ببعض ويحب أن يكفيهم هؤلاء، فلما رأى ذلك شمَّر بن ذي الجوشن استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة وأمر الرماة أن يرموه، فرشقوا بالسهام فأحجم عنهم فوقفوا بإزائه فنادى شمَّر في الناس:
فحملوا عليه من كل جانب، وضربه زرعة بن شريك التميمي على كفه اليسرى فقطعها، وضربه آخر على عاتقه فكبا منها لوجهه فانصرفوا عنه، وهو يقوم ويكبو، وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي، فطعنه بالرمح فصرعه، وبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي فنزل ليجتز رأسه فأرعد.
فقال له سنان:
فت اللَّه عضدك، ونزل إليه وذبحه، واجتز رأسه ثم دفعه إلى خولي، وسلب القوم الحسين ما كان عليه وتركوه مسجي في العراء.
وانتهب الناس حلله وإبله وأثقاله ومتاعه، وسلبوا نساءه، حتى إن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها، حتى تُغلَبَ عليه، فيؤخذ منها، ووُجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة غير الرمية.
روى الدم الزكي أرض العراق، وأُهدر دم أهل البيت، ونُكِّل بهم بقسوة وفظاعة لا يصدقها العقل ولما يمضي على وفاة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خمسون سنة! روي أبو خالد الأحمر قال:
دخلت على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟
قالت: رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول اللَّه؟ قال: شهدت قتل الحسين.