للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يجد ببلده من يستفتيه؛ وجب عليه الرحيل إلى من يفتيه، وإن بعدت داره، وقد رحل خلائق من السلف في المسألة الواحدة الليالي والأيام» (١).

ويقول الشاطبيُّ رحمه الله: «إن المقلِّد إذا عرضت له مسألة دينيَّة؛ فلا يسعه في الدِّين إلّا السؤال عنها على الجملة» (٢).

وجاء في إعانة الطالبين للدِّمياطيّ رحمه الله: «يجب على المستفتي عند حدوث مسألة أن يستفتي من عُرِفَ علمُه وعدالتُه ... » (٣).

فإذا لم يجد من يفتيه لا في بلده ولا في غيره؛ فإنه يسقط عنه التكليف بالعمل إذا لم يكن له به علم، لا من اجتهاد معتبر، ولا من تقليد، ولا يثبت في حقّه حكم؛ لا إيجاب ولا تحريم، ولا غير ذلك؛ لأنّ شرط التكليف عند الأصوليّين العلم بالمكلَّف به، وهذا غير عالم بالفرض؛ فلا ينتهض سببه على حال، إذ لو كُلِّفَ بالعمل والحالة هذه؛ لكان تكليفاً بما لا يُطاق، وهو منتفٍ في هذه الشريعة والحمد لله، فيكون حاله كحال من لم تبلغه الدعوة (٤).

لكن ذهب ابن القيّم رحمه الله إلى أنّه في هذه الحالة يجب عليه أن يتّقيَ الله ما استطاع، ويتحرّى الحقَّ بجهده ومعرفة مثله. ثمّ ذكر كلاماً نفيساً؛ حيث قال: «وقد نصب الله تعالى على الحقِّ أمارات كثيرة، ولم يسوِّ الله سبحانه وتعالى بين ما يحبّه وبين ما يسخطه من كلِّ وجه بحيث لا يتميّز هذا من هذا، ولا بدّ أن تكون الفِطَرُ السليمة مائلة إلى الحقِّ مُؤْثِرة له، ولا بدّ أن يقوم لها عليه بعض الأمارات


(١) («المجموع» (١/ ٥٤).
(٢) «الموافقات» (٤/ ٢٦١).
(٣) «إعانة الطالبين» (٤/ ٢١٩).
(٤) انظر: «المجموع» (١/ ٥٨)، «الموافقات» (٤/ ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>