أن شعراء أمتنا كعلمائها هم حماة لدينها وشعائرها وأخلاقياتها، بل هم الرواد في ذلك، وهم من الشعراء المؤمنين الذين قال الله فيهم: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... } [الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٧].
١٩ - قاس الكاتب علماء المسلمين وأئمتهم وفقهاءهم على اليهودي شاوول، والقارئ لا بد أن يحار في علة هذا القياس، وكيف استطاع الكاتب تدبيرها وترتيبها في خياله دون أن يكون لها أيُّ وجود في عالم الواقع، فأين الأتقياء قوام الليل وصوام النهار ابتغاء مرضات الله تعالى من المتفلتَّين من كل القيم؟ وأين أذكياء العالم مع كل هذه التقوى والزهد في الدنيا من شاوول اليهودي المعروف؟ بل أين وأين وأين، بل أين ضياء الشمس من حلكة الظلام؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: ٣٧].
٢٠ - ومن الأخطاء التي وقع فيها الكاتب أنه ادعى أن الإسلام قد حُرِّف كما حرفت المسيحية، ولا وجه للمقارنة بين الدينين، فإن التحريف في المسيحية جاء نتيجة تحريف التوراة والإنجيل بعهديه القديم والجديد، وطال التحريف العقائد والشرائع معاً، أما الإسلام فلم تحرَّف عقائده ولا شرائعه، وهي قائمة كما أنزلت على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لأن هذه العقائد والشرائع تعتمد على القرآن، ومن الثابت أن القرآن يقيناً لم يحَّرف ولا يختلف مسلم في ذلك، لقول الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]، كما أن مدخل التحريف في المسيحية كان من شاوول وأمثالَه، أو مُعِدِّ كتب التلمود من اليهود وجعله قريناً للتوراة، أما علماء الإسلام فلم يحرفوا النصوص، ولم يضعوا قريناً للقرآن والسنة، إنما اجتهدوا في تفسير نصوص القرآن والسنة، بأصول الاجتهاد المعتبرة، المستمدة منهما ومن اللغة العربية، وكل اجتهاد وافق أصول الاجتهاد فهو اجتهاد مقبول منسوب إلى الشريعة؛ كالاجتهاد في سد الذرائع، وكل اجتهاد خالفها فهو مردود