للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولأنّ القيام بمنصب الإفتاء لا يستطيعه، ولا يُحسِنُه كلُّ أحدٍ؛ إذ لا بدَّ من توافر شروط معيَّنة -سيأتي ذكرها-؛ لذا وجب أن يقوم به من توفّرت فيه تلك الشروط، وكانت لديه القدرة عليه.

وإنّما لم يكن الإفتاء فرض عَيْنٍ؛ لأنَّه يقتضي تحصيل علوم جَمَّة، فلو كُلّفها كلُّ واحد لأفضى إلى تعطيل أعمال الناس ومصالحهم؛ لانصرافهم إلى تحصيل علوم بخصوصها، وانصرافهم عن غيرها من العلوم النافعة، شأنها في ذلك شأن باقي فروض الكفايات (١).

إذاً الإفتاء فرض كفائيُّ، لكنه يتعيّن أحياناً على العالم المسؤول، وذلك إذا توافرت شروط معيَّنة، وهي كما يلي:

الأوّل: أن لا يوجد في الناحية غيره ممّن يتمكَّن من الجواب، يقول الإمام النوويُّ: «فإذا استفتي وليس في الناحية غيره تعيَّن عليه الجواب» (٢).

أما إذا وُجِدَ غيرُه، وكان متمكِّناً من الجواب؛ فإنه لا يتعيَّن عليه الفتوى حينئذٍ، وله أن يحيل عليه؛ يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى: «أدركتُ عشرين ومائةً من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُسْأل أحدُهُم عن المسألةِ، فيرُدُّها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجعَ إلى الأوَّل» (٣).


(١) «الموسوعة الفقهيّة» (٣٢/ ٢٢).
(٢) «المجموع» (١/ ٤٥).
(٣) رواه ابن سعد في «طبقاته» (٦/ ١١٠) بلفظ: «أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، ما فيهم أحد يسأل عن شيء إلّا أحبّ أن يكفيه صاحبه الفتيا، وإنّهم ها هنا يتوثّبون على الأمور توثّباً»، وما أثبتاه ذكره النوويّ في «المجموع» (١/ ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>