للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعتبر الشريعة الإسلامية بلوغ الإنسان عاقلاً سبباً لوجوب تحمله جميع التكاليف الشرعية. والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: ٥٩]؛ فجعل البلوغ موجباً للاستئذان.

وقوله عز وجل: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦]؛ فجعل بلوغ النكاح موجباً لارتفاع الولاية المالية عن اليتيم بشرط كونه راشداً.

ودليل اعتبار البلوغ موجباً لتحمل التكليف من السنة قوله -صلى الله عليه وسلم-: «رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه». حديث صحيح أخرجه أحمد والحاكم (١)؛ فجعل البلوغ سبباً لمحاسبة الإنسان ولا يحاسب إلا المكلف، وقد كان الحساب مرفوعاً عنه لصغره فلا يكلف ولا يحاسب.

واعتبر الفقهاء بلوغ الإنسان عاقلاً علامة على اكتمال أهلية الأداء عنده؛ وهي صلاحيته لصدور الفعل منه على وجه يُعتدُّ به شرعاً. وهي أهلية كاملة؛ وذلك لاكتمال قدرة عقله وجسمه، فهو قادر على فهم الخطاب والتكليف، والتمييز بين الخطأ والصواب، وبين الحلال والحرام، كما أنه قادر على تحمُّل أعباء التكليف ومتأهل لتحمل تبعة أفعاله وأقواله، ولأداء كافة الحقوق المالية وغير المالية؛ سواء أكانت من حقوق الله كالعبادات، أو من حقوق العباد كالعقود بأنواعها وكالجنايات.

وقد خصت المعاملات المالية باشتراط توفر صفة الرشد فيمن يبلغ عاقلاً، ويعرف الرشد بحسن التصرف في المال، والقدرة على استثماره واستغلاله، كما


(١) أحمد في مسنده (رقم ٩٤٠)، بهذا اللفظ، والحاكم (رقم ٩٤٩)، بلفظ آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>