للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثَّالث: أنْ يتَّفق الفقهاء المجتمعون أو أغلبهم على الرأي الفقهيِّ الصادر عنهم.

ومن الأمور التي تُكمِّل وتُحسِّن عمل الإفتاء الجماعيِّ: أن يكون اتِّفاقهم في إطارٍ مؤسَّسيٍّ مُنظَّم؛ كأن يكونوا هيئة شرعيَّة، أو مَجْمَعاً فقهيّاً.

وعليه نعلم أنَّ الاجتهادَ الجماعيَّ عَمليَّةٌ عِلْميَّةٌ مَنهجيَّةُ مُنضبطةٌ، يقوم بها جماعة من العلماء المشهود لهم بالعلم والفقه؛ من أجْلِ الوصول إلى مرادِ الله في قضيَّة شرعيَّة تَمسُّ عمومَ الأمَّة، أو فئةً معيَّنةً في بلدٍ أو إقليمٍ، أو حتّى تلك التي تخصُّ أفراداً معيَّنين.

ثانياً: مشروعية الاجتهاد الجماعيّ:

لا يعدُّ الاجتهاد الجماعيُّ وليد العصر، أو أمراً مُحْدَثاً في الدِّين؛ لأنَّ النصوص الشرعيَّة تؤكِّد على مبدأ الاجتماع والتشاور فيما يعرض للأمَّة من المُلمَّات والنوازل، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (١)؛ فالله تعالى أمر أن تُرَدَّ الأمور التي يَشْتَبه حكمها على الناس إلى حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثمَّ إلى أُولي الأمر من العلماء المجتهدين القادرين على استنباط الحكم من خلال النظر في نصوص الشريعة ومقاصدها.

يقول الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «أي: يردُّونه إلى جماعة أُولي الأمر، فيفهمُه الفاهمون من أُولي الأمر، وإذا فهمه جميعهم فأجدَر» (٢).


(١) النساء: ٨٣.
(٢) «التحرير والتنوير» (٤/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>