للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويؤكِّد لنا التاريخ الإسلاميُّ أن هذا النوع من الاجتهاد كان منهجاً متَّبَعاً في القرون الفاضلة، والأزمنة السالفة؛ ولا أدلَّ على ذلك من فعل الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون؛ حيث كانوا يجمعون رؤوس الناس في القضايا النازلة، والأحداث المستجدَّة؛ ليتشاوروا فيما بينهم طلباً للحقِّ ومعرفة حكم الشرع.

يقول المسيَّب بن رافع رحمه الله: «كانوا إذا نزلت بهم قضيَّة ليس فيها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرٌ اجتمعوا لها، وأجمعوا، فالحقُّ فيما رأوا، فالحقُّ فيما رأوا» (١).

ويقول الإمام الجوينيُّ رحمه الله: «أصحاب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم استفتحوا النظر في الوقائع والفتاوى والأقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإنْ لم يجدوا فيه مُتعلَّقاً راجعوا سنن المصطفى عليه السلام، فإن لم يجدوا فيها شفاءً اشْتَوَرُوا واجتهدوا، وعلى ذلك دَرَجوا في تمادي دَهْرهم، إلى انقراض عصرهم، ثم اسْتَنَّ مَنْ بَعدَهُم بسُنَّتهم» (٢).

فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يتوانى عن أن يجمع رؤوس الناس ليتشاور معهم في قضيَّة مهمَّة تَعْرِض له، ويخرج فيها بحكم مبنيٍّ على رأي الجماعة ومشورتهم؛ فعن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله؛ فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الأمر سُنَّة قضى به، فإنْ أعياه خَرَج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أنَّ


(١) رواه الدارمي في «سننه» (ح ١١٥).
(٢) «غِيَاث الأُمم في الْتِياث الظُّلَم» (ص ٤٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>