لقد بات من المحتَّم أن يتَّجه الاجتهاد الفقهيُّ في هذا العصر إلى الأسلوب الجماعيّ؛ نظراً لما تُملِيه مُعطَيات العصر الحاضر على الأُمَّة؛ ذلك أنَّ الشروط التي وضعها العلماء المتقدِّمون لتَمييز المجتهدين العالِمين عن غيرهم صارت عزيزة في هذا الزمن؛ الأمر الذي أدَّى إلى تَصدُّر ناقصي الأهليَّة الاجتهاديَّة للإفتاء والاجتهاد حتى في النَّوازل الفقهيَّة، وانتشرت الفتاوى الشاذَّة والغريبة، فتزعزعت ثقة كثير من العامَّة بطلبة العلم؛ لما يرونه من التناقض والاختلاف الشديدين بين آراء أولئك المفتين، ومنهم من وجد لنفسه مندوحة للتفلُّت من أحكام الشرع باستفتاء أولئك المتساهلين المحسوبين على العلم وطلبته.
ومن هنا تبرز أهميَّة الاجتهاد الجماعيِّ، وتظهر مميِّزاته؛ التي منها ما يلي:
١ - قوة الفتوى؛ من حيث إنِّها لا تَصْدُرُ عادةً إلّا بعد دراسة وتمحيص، وتداول للرأي بين علماء مختصِّين.
٢ - تقليل نسبة الخطأ في الفتاوى الصَّادرة؛ فالفتوى الجماعيَّة أكثر دقَّةً، وأقرب إلى الصَّواب من الفتوى الفرديَّة.
٣ - جَمْعُ كلمة الأُمَّة، وتقليل نسبة الخلاف بين علمائها وعامَّتها، وخاصَّة في المسائل المصيريَّة.
٤ - تساعد على غلق باب التشويش على الناس، بالفتاوى المختلفة المتعارضة.