للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الفاسق، وذلك عند جماهير العلماء (١)، وقد أمر الله تعالى بالتّثبُّت من خَبَرِهِ؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (٢).

وقضية اشتراط العدالة في المفتي مطلقًا شائكةٌ، ولابن القيّم كلام قيّم في تحريرِ هذا الشرط والتزامِه؛ حيث يقول: «وأمّا فتيا الفاسق؛ فإن أفتى غيرَه لم تُقبَل فتواه، وليس للمستفتي أن يستفتيَه، وله أن يعمل بفتوى نفسه، ولا يجب عليه أن يفتي غيره، وفي جواز استفتاء مستور الحال وجهان، والصّواب جواز استفتائه وإفتائه.

قلتُ (الكلام لابن القيّم): وكذلك الفاسق إلّا أن يكونَ معلنًا بفسقِهِ داعيًا إلى بدعتِهِ؛ فحكم استفتائِهِ حكمُ إمامتِهِ وشهادتِهِ، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة، والأزمنة، والقدرة، والعجز؛ فالواجب شيء .. والواقع شيءٌ، والفقيه مَن يطبِّق بين الواقع والواجب، وينفذ الواجب بحسب استطاعته، لا مَن يلقي العداوة بين الواجب والواقع، فلكلِّ زمان حكمٌ، والنّاس بزمانِهم أشبهُ منهم بآبائهم، وإذا عمّ الفسوقُ، وغَلَبَ على أهل الأرض؛ فلو مُنِعَت إمامةُ الفسّاق، وشهاداتِهم، وأحكامَهم، وفتاويهم، وولاياتُهم .. لعُطّلتِ الأحكام، وفَسَدَ نظام الخلق، وبَطَلت أكثرُ الحقوق، ومع هذا؛ فالواجبُ اعتبار الأصلح فالأصلح، وهذا عند القدرة والاختيار، وأما عند الضّرورة والغلبة بالباطل؛ فليس إلَّا الاصطبار،


(١) انظر: «البرهان في أصول الفقه» (٢/ ٨٦٩)، و «قواطع الأدلّة في الأصول» (٢/ ٣٥٣)، و «الإحكام» للآمدي (٤/ ٢٢٨) وقد حَكَى الاتفاقَ على ذلك، و «تيسير التّحرير» (٤/ ١٨٣)، و «شرح الكوكب المنير» (٣/ ٣٩).
(٢) الحجرات: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>