زمانهم، وبما أتيح بين أيديهم من أدوات الاجتهاد التي كان أولها القرآن، وثانيها ما تواتر من حديث، ولم يلجأ إلا لما اقتنع به تماماً، وهذا لم يتجاوز مائة وبضعة أحاديث، في حين أن مجموع أحاديث البخاري -غير المكررة- فاقت الألفي حديث، ولقد لجأ الإمام أبو حنيفة إلى القياس وبرع فيه، أما مالك فقد استدل بالحديث، ولم يعن بتمحيصه، وجعل ما يعمل به سكان المدينة المنورة في اجتهاده على أساس أنهم حفدة الصحابة الأولون، وهم مستمرون في نهجهم، أما ابن حنبل فقد استعمل الحديث ووضع مسند ابن حنبل، ولكنه حوى ما حوى من حديث موضوع، ولا غرابة في ذلك؛ فنهج ابن حنبل كان يقوم على أن الحديث الموضوع أفضل من القياس، وهذا تطرف وشطط ما بعده شطط في اعتقاد كاتب هذه السطور، الوحيد الذي كان حذراً وموضوعياً هو الشافعي، ولكن ذلك لا يعني أن الشافعي قد اجتهد بوجود مرجع للحديث بين يديه؛ كمسند أحمد -رغم علَّاته - أو صحيح البخاري.
إذن فأئمة المذاهب الأربعة رغم تقديرنا وتقدير التاريخ والمسلمين لهم، قد اختلفوا في النهج مثلما اختلفت الأدوات المتوفرة لديهم لاستقاء السنة الشريفة التي هي العماد الثاني في الشرع والتشريع والاجتهاد والإفتاء؛ فأهل الحديث وكتب الحديث الستة من بخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه قد كتبوا وألفوا مؤلفاتهم بعد زمان الأئمة بعهد طويل.
والذي لاشك فيه أن العالم المسلم المتفقه في يومنا هذا هو أقدر على وضع منهاج للاجتهاد والإفتاء يفوق ما قدمه الأئمة الأربعة؛ وذلك لأسباب أربعة: فالقرآن هو القرآن، والسنة لها مصادر موثقة يندر فيها الخطأ، والمعرفة البشرية اليوم تتيح فهم القرآن والتحقق من السنة بشكل أكبر وأدق، وهناك بعد هذا وذاك وسائل الإجماع بين علماء المسلمين، ووسائل الاتصال مما يتيح أن يقوم