الاجتهاد على يد هيئة أو مجمع اجتهادي عوضاً عن اجتهاد الفرد، وبدلاً من ادعاء الإجماع الذي تتشدق به كتب الفقه القديمة، فالإجماع الذي يتحدثون عنه هو خيال، وحجة لدعم فتاوى يختلف فيها المسلمون؛ وذلك استناداً لحديث عن النبي يقول فيه ما معناه:«لا تجتمع أمتي على باطل»(١)؛ فكانت حجة الإجماع في وقت لا يمكن تصور وسيلة للحصول عليه، فلا وسائل نقل سريعة، ولا خطوط اتصال واضحة، وقضية الاجتهاد المعاصر أو عصرنة وتجديد فتح باب الاجتهاد موضوع في غاية الأهمية، ويحتاج بحثاً وحديثاً تزيد عن مساحة هذا المقال، ولكن لنا عودة له إن شاء الله.
ونعود لمعاناة الإسلام من أهله، ومدعي حمل الدين من فقهاء وأئمة، الذين ما برحوا عن محاباة الوضع القائم في زمانهم حتى منذ القديم، فالإمام مالك مثلاً كتب «الموطأ» بأمر من الخليفة «المنصور» أعنف خلفاء بني العباس وأكثرهم دموية، والأمثلة كثيرة لا حصر لها، وأقام أهل الفقه والاجتهاد قواعد لا أثر لها في الكتاب والسنة، معتدِّين بقول من سبقهم من رجال اجتهاد وفقه، ربما فهموا أو حاولوا إفهامه لنا من قول أولئك، ولم يضفوا الشرعية والألوهية على ما أقدموا عليه، كان لزاماً عليهم أن يمهدوا له بتقديس السابقين، واعتبارهم أقرب إلى الله والذين من تابعيهم، وأنشأوا في ذلك الوصوف والنعوت التي وصلت إلى حد الكفر في بعض الأحيان، كالقول بكمال الشخص أو كتاب؛ كما يدعي البعض بكمال «صحيح البخاري» مثلاً، بل لقد ادعوا أن القواعد التي ابتدعوها هي قواعد شرعية، لا يأتيها الباطل من أي جنب، ولعل إحدى تلك القواعد المتهافتة ما يطل علينا به البعض، ويهتف بأنها قاعدة شرعية يجب الأخذ بها والاستناد عليها، وهي قاعدة «سد الذرائع» التي هي قاعدة لا أساس لها في كتاب ولا سنة، بل هي منافية نفياً تاماً للنهج الإسلامي المحمدي القرآني
(١) الترمذي (رقم ٢١٦٧) بلفظ: «إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة».