وعليه فإن الفشل الذي لا يَليق أن يُسنَد لأي قائد حكيم لا يجوز إسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من باب أولى، وإن أدنى ما يوصف به من أسند الفشل إلى جنابه -صلى الله عليه وسلم- هو سوء الأدب معه؛ لأنه لا يمكن أن يحصل منه -صلى الله عليه وسلم- شيء من الخلل ولا القصور عن الوصول إلى الأمل، ذلك أن الفشل يعني القصور عن الوصول إلى الغاية للتقصير في اتخاذ الأسباب إليها، قال في المصباح:«الفَشِل الجبان الضعيف القلب»، وقال الفيروز آبادي في القاموس: فَشِلَ: كسل وضعف وتراخى وجبن، ولم يحصل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العهدين المكي والمدني شيء من ذلك في اتخاذ الأسباب.
كما أنه لم يقصِّر عن إدراك الغاية، أما أمر الهداية والاقتناع فمتروك لله سبحانه وتعالى، قال جل من قائل:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[البقرة: ٢٧٢]، وقال أيضاً:{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}[الشورى: ٤٨]، وقوله تعالى:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران: ٢٠]، وقال سبحانه:{مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}[المائدة: ٩٩]، ولا يمكن أن يعلق النجاح بالعدد لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط»[أخرجه البخاري](١)،