وأمّا الأدلّةُ التبعيّةُ المختلفُ فيها؛ فهي كثيرةٌ، ويختلف علماء المذاهب في الأخذ بها إقلالاً وإكثاراً، كما يختلفون في ترتيبها تقديماً وتأخيراً؛ وذلك كقول الصّحابي، والمصالح المُرسَلَة، والاستحسان، والاستصحاب، وشرع من قبلنا، وغيرها. وهذا النّوع من الأدلّة لا يصير إليه المفتي غالباً إلّا إذا أعوزه الدّليل من النّوع الأوّل.
والحاصل: أنّ الفتوى لا بدّ أن يكون لها حجّةٌ ودليلٌ، والمفتي لا ينبغي أن يصدر في فتواه إلّا عن برهانٍ وتأصيلٍ.
هل يلزم المفتي أن يذكر الدليل؟
تقرَّر فيما سبق أنّه لا يجوز أن يفتي في دين الله سبحانه إلّا عالمٌ بأدلَّة الشَّريعة، ومقاصدها الكليَّة، وأنّ الفتوى بالرأي المجرَّد بابٌ من أبوابِ الضلالةِ، والقولِ على الله تعالى بلا علم، ولا بيَّنة.
ولا يخفى أنّ الفتوى المشفوعة بالدّليل، المصحوبة بالتعليل؛ تكون أحرى بفهم المستفتي، وقبوله لها، وانشراح صدره للعمل بها؛ من الفتوى المجرَّدة عن الدّليل أو التّعليل.
وإذا عُلم ذلك؛ فهل يلزمُ المفتيَ ذكرُ الدَّليلِ على الأحكامِ الّتي يقرِّرها في فتواه؟