ثم قال البيهقي:«والمراد به - والله أعلم - أهل المدينة ومن كانت قبلته على سمت من أهل المدينة فيما بين المشرق والمغرب، وذلك ينطبق على من كان في الشمال والجنوب، وأما من كان في الشرق والغرب فقبلته ما بين الشمال والجنوب».
وقال الصنعاني في «سبل السلام»: «والحديث دليل على أن الواجب استبقال الجهة لا العين في حق من تعذر عليه العين وقد ذهب إليه جماعة من العلماء لهذا الحديث».
قلت: وعليه علماؤنا الحنفية قال في «المجموع»:
«وحكاه الترمذي عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وابن المبارك».
وقد نقل القرطبي في «تفسيره» إجماع العلماء (١) على ذلك وفيه نظر فقد ذكر النووي أن الصحيح عند الشافعية أن الواجب إصابة عين الكعبة. قال:
«وبه قال بعض المالكية ورواية عن أحمد».
قلت: وهذا مخالف للمنقول عن الصحابة ولهذا الحديث. ثم قال الصنعاني:
«ووجه الاستدلال به على ذلك أن المراد أن بين الجهتين قبلة لغير المعاين ومن في حكمه لأن المعاين لا تنحصر قبلته بين الجهتين المشرق والمغرب بل في كل الجهات في حقه سواء متى قابلت العين أو شطرها».
وقال العلامة أبو الطيب صديق حسن في «الروضة الندية» ما نصه:
«أقول: استقبال القبلة هو من ضروريات الدين فمن أمكنه استقبال القبلة تحقيقا فذلك الواجب عليه مثل القاطن حولها المشاهد لها من دون قطع مسافة ولا تجشم مشقة، ومن لم يكن كذلك ففرضه استقبال الجهة، وليس المراد من تلك الجهة الكعبة على الخصوص بل المراد ما أرشد إليه - صلى الله عليه وسلم - من كون بين المشرق والمغرب
(١) ونقله أيضا أبو الطيب وغيره كما في «المجموع» «٣/ ٢٠٧» ومن مثل هذا النقل تعلم تساهل بعض العلماء في دعوى الإجماع في مسائل مختلف فيها كهذه المسألة. [منه].