قال الإمام عن أفضل المساجد بعد المساجد الثلاثة: ثم مسجد قباء وهو المراد من قوله تعالى: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا}[التوبة / ١٠٨] فإنه لما نزلت «أتاهم عليه الصلاة والسلام في مسجد قباء فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا [قال: وهو ذاك فعلكيم به]».
الحديث من رواية عويم بن ساعدة ورواه بنحوه أبو أيوب الأنصاري وجابر.
وأنس وما بين المربعين من حديثهم وإسناد الحديثين حسن وقد سبق تخريجهما في الكلام على المسجد النبوي وأنه أسس على التقوى أيضا كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام وذكرنا هناك وجه الجمع بين حديثه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وبين هذه الآية الكريمة فلا داعي للإعادة. وهي مع الحديث المذكور عقبها نص صريح في أن المسجد المذكور فيها هو مسجد قباء فالقول بأنه مسجد المدينة خطأ.
ومما يدل على أنه المسجد الذي أسس على التقوى ما في البخاري «٧/ ١٩٥» في حديث هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة:«فلبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» قال الحافظ:
«أي مسجد قباء، وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن عروة قال: الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف. وكذا في حديث ابن عباس عند ابن عائذ ولفظه: «ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو الذي أسس على التقوى». فهذه الأخبار تدل على أنه كان معروفا عندهم بأنه المسجد